قديما لم يكن في قريتنا اطباء او مراكز صحية لمعالجة مريض الليل وكان اذا شكا احدهم من وجع في بطنه فدواءه حاضر في الحاكورة وهو عبارة عن وريقات مغلية من الميرامية او البابونج تسكن وجعه ولو لفترة وجيزة , واذا اخفقت الوريقات في شفائه
يقومون بتسخين سيخ على النار وكي المريض في مكان بعيد عن مكان الالم وهي خطة ذكية حيث ان الكي بحد ذاته لا يشفي الالم ولكنه يشتت فكر المريض عن الالم الاساسي الى الالم الجديد وبذلك ينسى ما الم به من الم في بطنه.
وهكذا كان الذكاء الروسي في معالجة مشكلته مع امريكا واوروبا في ازمة اوكرانيا والقرم فاستغل الصراع في سوريا ودخلها من اوسع الابواب وبذلك استطاع ان يشتت انظار العالم عن مشاكله الداخلية الى القضايا الاقليمية وهي محط انظار العالم اليوم, وحتى العقوبات الاوروبية لم تعد الان فاعلة وعلى وشك الانهيار وخاصة بعد بدء تفكك الاتحاد الاوروبي , ناهيك عن ان موسكو امسكت بزمام الامور في سوريا عسكريا وسياسيا برضا امريكا واوروبا او بعدم رضاهم وبذلك ضرب عدة عصافير بحجر واحد
فتدخله في سوريا احبط مخطط الانقلاب على الاسد , واحبط مخطط المنطقة العازلة وتحييد طيران النظام في الشمال السوري بناء على رغبة تركيا حماية للمعارضة السورية وذلك نكاية في الدول التي فرضت الحظر الجوي في ليبيا بدون استشارة روسيا.
ومن ناحية اخرى اضعف من قوة المعارضة السورية التي كانت تأمل في احتلال دمشق , وبعد ان كانت روسيا بعيدة عن المجتمعات الاقليمية والعالمية اصبحت الان حجر الزاوية في معظم هذه التجمعات مما جعلها العراب الاكبر في المنطقة وحلقة الوصل في اية حلول تطرح على الساحة العربية خاصة.
وليس خفياً على البعض ان المصالحة الروسية التركية والتقارب االاسرائيلي التركي والتفاهمات الروسية الاسرائيلية اوجدت نافذة ولو بصيص امل لمحاولة احياء المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية التي عجز العالم عن حلها حتى الان , وتوجت هذه المحاولة بزيارة نتنياهو الى موسكو بالرجوع الى طاولة المفاوضات في جنيف برعاية روسية واشراف امريكي لحل الخلافات المستعصية فيما يخص المستوطنات والقدس وتبادل الاراضي , ان حلول التسوية في المنطقة والتي تفكر روسيا في حلها ليس من خلال الإيديولوجية "الفكرية" السابقة، وإنما من خلال رعاية المصالح الخاصة التي بدأت تفرضها الإستراتيجية الجديدة القائمة على أولوية مصالح روسيا الاقتصادية ونفوذها الدولي , وخاصة في منطقة الشرق الاوسط التي انفردت امريكا واوروبا بخيراتها في ظل غياب الاتحاد السوفيتي السابق.
عسى ان لاتكون موسكو فاقدة الشيء فتعطيه , ورب ضارة نافعة