أخيراً اعترف الرئيس التركي اردوجان بأن السياسات التي يمارسها لا تخدم مصلحة تركيا بل على العكس سببت لها العزلة وأنتجت خسائر كبيرة وأضاعت المصالح التي كانت تركيا تحققها في علاقاتها مع بعض الدول مثل روسيا وإسرائيل وسوريا ومصر ودول الخليج العربي.
في تركيا تم مؤخـراً إقالة جميع طواقم المسؤولين عن الملف السوري ، سواء كانوا في وزارة الخارجية او المخابرات أو الأجهزة الأمنية الأخرى ، بعد أن اتضح أن سياسة تركيا تجاه سوريا فشلت في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ، وجعلت تركيا دولة مارقة في مجتمع الدول ، مما أوجب إعادة النظر بشكل جذري قد لا يخلو من مفاجآت كانت غير واردة قبل أسبوع.
تركيا وجدت نفسها معزولة: أعداء كثيرون وأصدقاء قليلون. وحتى أميركا لم تهب لمساعدة حليفتها تركيا في صراعها مع روسيا ، بل على العكس كانت تطلب من تركيا ضبط حدودها مع سوريا والعراق في تلميح أقرب إلى الصراحة باتهام تركيا بأنها تقدم الدعم اللوجستي لداعش والنصرة وباقي المنظمات الإرهابية نكاية بالنظام السوري.
وعندما استعان اردوجان بحلف الاطلسي في مواجهة الإجراءات الروسية ، قوبل ببرود ، وتقديم النصائح له بضبط النفس والتوقف عن سياسة الاستفزاز والصدام بدون لزوم.
اردوجان قرع أبواب الاتحاد الأوروبي فلم يلقَ إلا الصدود ، ليس لأن تركيا دولة مسلمة كما يدعي ، فقد سبق قبول تركيا في حلف الاطلسي ، بل لأن نظام الحكم في تركيا لا يلبي الحد الأدنى من متطلبات أوروبا الديمقراطية.
الفساد والسياسات الخاطئة في تركيا استوجبت خنق المعارضة ، وتكميم وسائل الإعلام ، وإغلاق الصحف الحرة ، واللجوء إلى العنف في التعامل مع المواطنين من الاكراد ، بل وصل الامر لحد رفع الحصانة عن النواب المعارضين لمحاكمتهم على آرائهم المخالفة للسلطان.
من المؤسف أن تتعرض تركيا لهذه النكسة بعد أن كادت تنجح في تقديم نموذج حكم إسلامي ديمقراطي يمكن أن تحذو حذوه دول اخرى ، فتحولت النتيجة إلى العكس تماماً ، وبذلك يكون حزب العدالة والتنمية قد أكد مجدداً أن الديمقراطية والتعددية تؤكد ضرورة عدم الخلط بين السياسة والدين.
في هذا المجال نستذكر أن النظام العلماني في تركيا أقامه مؤسس الدول التركية الحديثة كمال أتاتورك على أنقاض الدولة العثمانية المنهارة التي يحاول اردوجان إعادة إنتاجها ، ولكن حزب العدالة والتنمية أفرغ العلمانية من محتواها.
الراي