الأردن على مفترق الطرق (2)
سمير حجاوي
01-07-2016 04:02 PM
النوع الأخطر من المسؤولين الأردنيين هم الذين يعيشون حالة كاملة من الإنكار لما يجري في البلد، وكأنهم مخدرون أو غير قادرين على رؤية ما يجري، وأذكر أنني كنت أناقش أحد رؤساء الوزراء عن رؤيته للأوضاع في الأردن، فرسم لي صورة تخيلت معها أن الأردن تحول إلى سويسرا، فما كان مني إلا أن قلت له، وقد علت وجهي حالة من الدهشة الغريبة: "انت بتحكي عن جد"، فأشار لي بوجهه أنه يتحدث جادا. وهذا ينطبق على وزير اقتصاد حدثني عن رفاهية الشعب الأردني الذي يمتلك أكبر نسبة من "الموبايلات" في العالم، واعتبر أن الحديث عن الفقر والبطالة مجرد خرافات وأوهام، وقال لي: "يا أستاذ حتى الزبال معه جوال"، وعبثا حاولت إقناعه أننا فقراء. وهناك وزير ثالث يعتبر من أصحاب "الأبواب الدوارة" للدخول والخروج من المناصب، اعتبر أن الشعب الأردني "لا يشكر النعمة" ويحترف الشكوى، وأذكر أنني دعيت إلى ولائم كان هو عرابها، وكان الطعام "المسفوح" على الموائد يكفي رهطا من الفقراء "غير الموجودين" بالنسبة له إلا في الخيالات.
ووصل الأمر بأحد الوزراء إلى تقريع الفقراء الأردنيين عندما مات طفلان في "تسوية" بسبب غرق منزلهما بمياه الأمطار، وقال: "لماذا يسكنون في تسوية أصلا"، وكأن هذه العائلة وأطفالها وجدت بيتا أفضل فذهبت للسكن تحت سطح الأرض، وهو ما قالته وزيرة للتنمية الاجتماعية أيضا. فالنسبة للوزير والوزيرة فإن المشكلة تكمن في وجود الفقير في التسوية وليس: لماذا هو فقير. هؤلاء عينة من الرؤساء والوزراء المنكرين.
ولكن هناك عينة أخرى من المسؤولين وهم الذين أضعهم في خانة "الخائفين"، وقد قال لي ثلاثة من رؤساء الوزارات السابقين إنهم لا يستطيعون مناقشة كل القضايا لأن هناك "خط أحمر"، وهي ملفات خارج أيديهم أصلا، ورفعوا بالتالي شعار "ما في اليد حيلة"، وتعرفت على مسؤولين كبارا أعدوا دراسات رائعة وقوية وصادقة عن الأوضاع، وفيها أرقام حقيقية وإحصاءات صادمة، إلا أن النتيجة كانت وضع هذه الدراسات في إدراج محكمة الإغلاق إلى درجة أن أحد الوزراء قال لمدير كبير: "حتى.. لا أريد أن يعرف عن هذه الدراسة". ولأن العبارة كفر فإنني لن أضعها بالطبع.
هذه القصص ليست خيالات أو مجرد حبكات درامية، بل قصص حقيقية عايشتها بنفسي باستثناء تصريحات الوزيرين المتعالية على الشعب الأردني، وهي التصريحات التي سار بذكرها الركبان، وأصبحت أشهر من نار على علم.
الأخطر من ذلك هو نوعية الرجال الذين يكونون خارج السلطة شيء وعندما يتسلمون المناصب شيئا آخر، ولدينا من هؤلاء كثيرين، إسلاميين ويساريين وليبراليين وعشائريين، ولكني هنا أريد أن أستشهد بمقال كتبه الدكتور جواد العناني، نائب رئيس الوزراء الأردني حاليا، الذي كتب قبل شهرين من تسلمه منصبة الجديد قائلا: "آخر ما يتوفر من أرقام رسمية عن نسبة البطالة أنها بلغت أكثر من (14%) بقليل. وأما نتائج التعداد السكاني، فقد أشارت أن هذه النسبة تصل (18%)، وفي تقرير لم أطلع عليه صادر عن البنك الدولي يقدر أن نسبة البطالة في الأردن قد تصل إلى (28%). وسمعت عن مصادر أخرى أن رقم البنك الدولي هو (23%). هذا التناقض في رقم واحد هو من أهم المؤشرات الاقتصادية يفتح علينا بوابة الشك في الإحصاءات والمعلومات الصادرة عن الحكومة" ويتابع العناني، والقول له: "فالصورة إذن مهما اجتهدنا، وحاولنا أن نضع عليها زينة وزخرفًا تبقى مخيفة، وبحاجة ماسة إلى التصدي بقوة"، إذن الصورة في الأردن مخيفة، ومن هنا نبدأ.