في رمضان فرص ليس لها حدود: فرصة للأثرياء حتى يتساووا في الجوع مع الفقراء ، فيدفعهم “نداء” الجوع الى الاحساس باخوانهم المحتاجين ليتقاسموا معهم مال الله الذي آتاهم ، وفرصة للراغبين في “التوبة” والمشتاقين الى المغفرة ليكفروا عن خطاياهم ويلتمسوا ما فرطوا في جنب الله ، وفرصة “للخائفين” واليائسين والمحرومين من الأمل حتى يحرروا انفسهم من “اثقالها” ومن طين الأرض واحساكها وحتى يستعيدوا فطرتهم الاولى: فلا عبودية ولا رقّ ، ولا يأس ولا قنوط.. “انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون”.
في رمضان فرصة لأهل الخير لكي يتجردوا من حساباتهم الدنيوية الباهتة ، ويمدوا ما انهدم بينهم من جسور ، ويستعيدوا ما تبدد من ثقة ، ويغسلوا ما تراكم من اخطاء وخطايا “بماء” الصيام الذي تبتل به العروق الناشفة.
في رمضان فرصة -ايضا - للسياسي لكي يصوم ويتذوق سر الصوم ، فتهدأ نفسه وينشرح صدره ويقهر قراراته المستعجلة ويجدد ثقته بالناس وايمانه بمعاناتهم وحاجاتهم ، فلا يغضب ولا يتعجل ولا ييأس -ايضا - من امكانية الاصلاح ، او جدوى المشاركة الحقيقية ولا يغلق “لواقطه” عن استقبال ذبذبات عيال الله التي تبحث عمن يفك شيفرتها ويرد على اسئلتها بما يلزم من اجابات.
فرص رمضان لا تنتهي ، والصيام موسم لحوار الذات مع الذات ، والذات مع الآخر ، فرصة لتطييب الخواطر وتأجيل الاختلافات وعقد التفاهمات والصفقات ، فرصة للخروج من الازمات وتبديد الالتباسات لاعادة “البوصلة” واعادة “صفو” الوفاق والاتفاق على المشتركات وحسم القضايا المعلقة بلا اجابات.
لدي انطباع بان هذا الشهر، مع اقتراب نهايته، سيشهد بعض ما نحتاجه من هدوء وانفراجات وسيعيد الى “خرائطنا” التي التبست مفاتيحها واشاراتها بعض ما فقدته من خطوط واتجاهات ، فمن اسرار الصيام انه يقهر النفس ويكشف ضعفها ، ويجدد “الايمان” بكل صالح من الاقوال والافعال ، ويوحّد الناس في مساواة عجيبة لا تقبل استثناء من احد ، مساواة في جوع البطن ، وحرمان النفس ، واستعلاء الروح ، وفي دقة التوقيت وصرامة الالتزام ، وهي تكفي لجعل “انسان” رمضان ، انسانا جديدا ولجعل السياسة في رمضان سياسة جديدة وتطويع الذين لم يقهرهم “الجوع” من قبل للاحساس “بسرّ” الصوم الذي تتعافى فيه النفوس وتتجرد من خلاله من اضغانها وهواجسها.
لدي انطباع ارجو ان يكون صحيحا بان “بركة” الصيام ستشمل “ملفات” كدنا نيأس من فتحها وحسمها ، وستصيب مقررات واجراءات نشعر بأنها ازعجتنا وستطفىء حرائق عديدة لا نعرف كيف اشتعلت ولا لمصلحة من تأججت.
الدستور