تحولات المواقف في السياسية التركية الخارجية ، جعلت منها محط انظار العالم خلال الساعات الماضية وصولا للاستهداف الارهابي الذي طال مطار اتاتورك في عاصمة الاقتصاد والسياحة اسطنبول ، وهذه التغييرات والتحولات احدثت انقلابا فعليا تجاه اسرائيل وروسيا وفي الداخل وربما في الهزات الارتداتية سيصل الى الموقف التركي من النظام السوري ، مما يدفع للتفكير في اسباب والدوافع وراء هذا الانقلاب المفاجىء في المحور الروسي وغير المفاجىء في المحور الاسرائيلي التي بقيا في حالة تفاوض علني وسري منذ ثلاث سنوات .
المحور الاول العلاقة بين اسرائيل وتركيا فعندما أعلن رئيس الوزراء التركي الجديد بن علي يلدريم أن بلاده تسعى لزيادة عدد أصدقائها وتقليل عدد أعدائها لم يكن أحد يتوقع ان تبدأ التحرك بهذه السرعة. فخلال الاسبوع الماضي اتخذت تركيا عدة خطوات أولها انهاء اتفاق مع إسرائيل لاستئناف العلاقات بين البلدين بعد خمس سنوات من التوتر في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على السفينة (مافي مرمرة) ثم أعقبت ذلك بمد غصن الزيتون لموسكو وتقديم اعتذار عن إسقاط المقاتلة الروسية قبل أشهر ولكن وبعيدًا عن الخطابات الحماسية للرئيس رجب طيب أردوغان، لم تكن تركيا يوماً تدّعي أنها ترغب لا بإزالة إسرائيل، ولا بشنّ الحرب ضدها، حتى بعد مجزرة أسطول الحرية 2010 حيث سقط لها 11 قتيلًا في عمل حربي موصوف في المياه الدولية قبالة الشواطئ المصرية ــ الفلسطينية. أكثر من ذلك، التزمت تركيا، حتى في ذروة تصعيدها الدبلوماسي والاقتصادي ضد دولة الاحتلال، سقف القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية .
ثم ان مرحلة الاتفاق هذه مرت بمراحل وليست وليدة صدفة :- تركيا اشترطت لعودة العلاقات لسابق عهدها ثلاثة شروط: الاعتذار، ودفع التعويضات لعائلات القتلى والجرحى، ورفع الحصار عن قطاع غزة المحاصر، إسرائيل بدورها رضخت للشرط الأول، وقام رئيس الوزراء الإسرائيلي بالاعتذار لتركيا رسمياً عام 2013،والآن، وبعد ثلاث سنوات، وافقت إسرائيل على الشرط الثاني، وقبلت بدفع التعويضات ،أما الشرط الثالث وضمن سياسية فن الممكن قبلت تركيا ما اقترحته إسرائيل بقبول دخول المساعدات التركية لغزة المحاصرة، وإنشاء مشفى تركي هناك، وتولي أمور محطة توليد الطاقة والماء وبالتالي فان عودة العلاقات الدبلوماسية اصبح حكما وواقعا يقبل به المتعاطفون والموالون لتركيا في العالم العربي .
المحور الثاني في العلاقة بين روسيا وتركيا جاءت الخطوة التي اعتبرها البعض نقلة نوعية في السياسة الخارجية لأنقرة، بعد ان تقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتذار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إسقاط القاذفة الروسية فوق ريف اللاذقية الشمالي في سوريا نوفمبر الماضي، لينهي سبعة أشهر من الشد والجذب والتراشق السياسي والإعلامي بين الجانبين، خصوصا وان تركيا في البداية اتخذت موقفا صارما ومتشددا في العلاقة مع روسيا، من دون أن تدرك حجم الخسائر المالية الكبيرة التي ستتحملها. وخصوصا اذا ما نظرنا الى حجم التبادل الاقتصادي ففي الطاقة، تستمد تركيا ما يقرب من 20% من استهلاك الطاقة من روسيا وحدها و البلدين أيضًا شركاء في خط أنابيب رئيسي جديد للغاز الطبيعي والمعروف باسم السيل التركي (ساوث ستريم)، والذي يعتبر ذا أهمية استراتيجية بالنسبة للبلدين، وتبلغ قيمته 16 مليار دولار وتبلغ القدرة التمريرية له نحو 63 مليار مترمكعب من الغاز سنوي كما بلغ عدد السياح الروس الذين قصدوا تركيا في عام 2014 نحو 4.38 ملايين شخص، وذلك من أصل 42 مليون سائح، أدخلوا ما يقارب 36 مليار دولار إلى الاقتصاد التركي، وتعد تركيا أكبر خامس شريك تجاري لروسيا بحصة تبلغ 4.6% من إجمالي التجارة الخارجية الروسية، وذلك بحسب بيانات إدارة الجمارك الروسية، وتقدر قيمة العقود التجارية الموقعة بين البلدين حتى نهاية 2014، بحوالي 44 مليار دولار. ولكن روسيا مع مرور الوقت رفضت ليس فقط السياحة في تركيا، بل واستيراد المواد الغذائية منها؛ ما أجبر السلطات التركية على تغيير لهجتها بحسب ما حملته صحف روسية في بحثها اسباب العودة بالعلاقات والاعتذار التركي .
بالطبع التعاون الضخم بين الجانبين لم يخف العداء الدفين والخصومة التاريخية المستعرة بين البلدين، في ظل تباين وجهات النظر في العديد من الملفات الإقليمية المشتركة، كان آخرها الملف السوري، حيث ترى موسكو نظام الأسد هو النظام الشرعي للبلاد، ولا بد أن يكون طرفًا في الحل، بينما ترى أنقرة أن بشار ونظامه جزءًا من الأزمة وليس الحل، ومن ثم لا يمكن التعويل عليه خلال الفترة القادمة، وهو ما أدى إلى اشتعال وتأزم الموقف بين الجانبين، وبالتالي فان البحث هنا في المحور الثالث في الانقلاب التركي اتجاه الازمة السورية ربما يكون من هذا الجانب فتفكير ادارة اردوغان بمصالح بلاده بعيدا عن اي امر اخر وبالتالي فالتغيير امر وارد في اكمال اضلاع مثلث الانقلاب التركي وخصوصا ان الامال تتلاشى الان كما الاطماع في جدوى انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي الحائر بعد انسحاب بريطانيا .
في المحاور الثلاث وفي الانقلاب التركي على مواقفه يمكن النظر الى مستقبل قريب يتضمن تحالف ثلاثي(روسي –تركي –اسرائيلي ) قادر على إعادة رسم خارطة الأزمات في الشرق الأوسط حال التوصل لحلول مشتركة من الجميع .