هل وصل الأردن إلى مفترق طرق وبات على بعد خطوة من "القفز إلى الهاوية"، أم أن عملية الإنقاذ ممكنة قبل أن يكون الأمر مستحيلا بعد فترة من الزمن؟ بعد أن تجددت الاحتجاجات على "فقدان الأمل" والغرق في البطالة والفقر، وارتفاع مستوى الاحتكاك الاجتماعي العنيف وتبخر الطبقة الوسطى، والارتفاعات الكبيرة في الأسعار والضرائب، وهو الأمر الذي ترجم على صدامات في مدينة "ذيبان" الصغيرة القريبة مدينة مادبا بين العاطلين عن العمل وقوات الدرك. الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة عن حقيقة الأوضاع في الأردن، وما هي السيناريوهات المحتملة، وهل تكفي القبضة الأمنية من أجل حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ووقف العدد المتزايد من حالات الانتحار وغرق البلد باللاجئين والوافدين من كل حدب وصوب، والضغط على سوق العمل وارتفاع المديونية إلى معدلات قياسية.
من خلال تجربتي واحتكاكي بكثير من المسؤولين الأردنيين، مديرين كبارا ومستشارين ووزراء ورؤساء وزارات، وصلت إلى نتيجة مفادها أن هذه "النخبة" تعيش إما في حالة من الإنكار، أو حالة من الخوف للإعلان عن الحقيقة، فعندما تجرأ عبد الرؤوف الروابدة، رئيس الوزراء الأردني الأسبق، وهو شخصية انزلاقية لا يمكن إمساكها بسهولة، ويتمتع بقدرة كبيرة على اجتراح النكات والتخلص من المواقف الصعبة، ذات يوم على القول إن "الاقتصاد الأردني في غرفة الإنعاش" ثارت ضده "الدول العميقة" وهو رئيس في منصبة، وهاجمه وكلاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكتاب المارينز بشراسة، ما دفعه إلى القول متهكما:" أنا قلت إن الاقتصاد الأردني في حالة انتعاش وليس غرفة الإنعاش"، وبالطبع فإن الروابدة "الزئبقي" تعلم الدرس جيدا ولم يعد لمثلها أبدا، وعرف أن "زعل الجماعة" خطير حتى لو كان رئيسا للوزراء، أرفع منصب تنفيذي في البلد.
وعندما تجرأ وزير الصحة الراحل الدكتور عبد الرحيم ملحس، إلى القول وهو في منصبه: "إن التجار يطعمون الشعب "زبالة" العالم، وإن وزارة الصحة غير قادرة عليهم" قامت الدنيا عليه ولم تقعد، وأخرج من الوزارة.. ذهب الوزير وبقي التجار، وبقيت "الزبالة" التي تحدث عنها. وأذكر أنني كنت أعد تحقيقا صحفيا حول تجارة الأسماك المستوردة، عندما منعت السلطات الأردنية باخرة أسماك من إنزال حمولتها لبيعها في السوق إذ قال لي حد كبار التجار: "خليهم يمنعوا ورايحين نشوف مين رح يجيب على السوق سمك"، وهدد بإفراغ السوق من الأسماك، وبالتالي إدخال الحكومة الأردنية في مشاكل مع الدول المصدرة ولوبيات التجارة الدولية.
الروابدة وملحس لم يكونا ثائرين من أتباع "تشي جيفارا"، ولا متمردين، ولا طامحين بما هو أكثر، خاصة بالنسبة للروابدة الذي وصل إلى أعلى منصب في البلد، ولكنهما في لحظة من اللحظات أرادا "بق البحصة" وقول شيء من الحقيقة فكانت السكاكين بانتظارهما.