النداء الأخير قبل الإقلاع
د. ماهر عربيات
29-06-2016 01:28 PM
يدرك المتتبع للحياة البرلمانية بصفة عامة والنيابية على وجه التحديد حجم الاختلالات التي لازمت العمل النيابي وشكلت تراكمات ترسبت خلال المجالس الأخيرة ، وبدأنا نلمح مشاهد كثيرة من تلك الإختلالات بكل حزن وأسف ، الأمر الذي سيترك وقعا كبيرا على أي عملية إصلاحية تستهدف المجلس التشريعي ومكانته في النسق السياسي الاردني.
والمراقب لكافة الإسهامات الإصلاحية البرلمانية سرعان ما يكتشف أنها اختزالية لا شمولية ، لاستنادها أساسا إلى ما هو مرتبط بالبنية والوظيفة مع تجاهل تام للعنصر الأكثر أهمية في كل خطوة إصلاحية وهو العنصر البشري أو الفاعلون البرلمانيون ، وعليه فان توافر منظومة قانونية تدفع باتجاه بلورة العمل النيابي، تبقى معدومة وغير كافية في ظل غياب برلمانيين أكفاء يراعون الالتزام بها إلى مستوى الالتزام الأخلاقي ، وهو منهج احتضنته مختلف النظم البرلمانية وتمكنت من خلاله الدفع بالبرلمانيين نحو نجاعة الأداء ، والارتقاء بالمزاولة والعمل النيابي. لهذا لا نعتقد بنجاح أي عملية إصلاحية تستهدف العمل البرلماني دون توافر الرغبة والإرادة كعنصرين رئيسيين في الارتقاء بهذا العمل ، فما يمكن إصلاحه بالقانون واللوائح يمكن إفساده بالسلوكيات والممارسات.
مدونة السلوك النيابي التي صدرت واعتمدت خلال العام المنصرم ، هي بمثابة خارطة طريق يسترشد بها النائب أثناء أدائه لمهامه وواجباته، لاحتوائها على مجموعة من القواعد والمحددات ، التي توضح له ما يستوجب القيام به وما ينبغي الانصراف عنه ، أو ما يجب أخذه وما يجب تركه في سبيل التعبير عن نماذج سلوكية ايجابية ترتقي بالعمل النيابي وتحقق المصلحة العامة. وهي على هذا النحو مجموعة القيم والقواعد الواجب مراعاتها والالتزام بها ، غايتها خلق النائب النموذج الذي يستلهم من هذه القيم وهذه القواعد ، القدرة على تجسيد وترجمة المفاهيم النبيلة إلى سلوكيات وممارسات يومية ، ينضبط لها ويلتزم بها كمبادئ ذات قيمة عليا في العمل النيابي ، وتسهم في توجيه وإثارة الآخرين لاسيما أولئك الذين يفتقرون إلى الثقافة الديمقراطية في الحياة السياسية ، حتى تغدو هذه القواعد والقيم سلوكا يوميا نافذا بفعل حرص الجسم النيابي ومواصلته على حسن تطبيقها واحترامها والعمل بموجبها.
الحاجة إلى تعظيم مدونة السلوك النيابية والتفاعل معها ، تتقاطع مع قناعة مطلقة مفادها أن أي خطوة إصلاحية في العمل النيابي ، إنما تبدأ بالأساس من عضو المجلس على وجه التحديد ، وهذه الحاجة تظهر في توقيت غالبا ما يثار فيه الكثير من التساؤلات حول واقع المؤسسة النيابية ، وهي تساؤلات لا تنحصر في تقييم أداء هذه المؤسسة بل تطال ممارسات الفاعلين النيابيين كذلك ، لاسيما أن معضلة المجلس النيابي الأردني تكمن في أن بعض النواب لازالوا يلجونه ، ليس للعمل السياسي والتمثيل الفعلي للشعب ، بقدر ما هي لاكتساب صفة برلماني بكل ما تحمله من امتيازات.
لاجدال في أن الالتزام بتلك المدونة سيسهم وبشكل كبير في إحداث قطيعة مع مشاهد وسلوكيات نيابية ألفناها ، ويؤسس لعمل نيابي قويم ، في ظل معطيات أحوج ما تكون إلى عقليات تفكر بمنطق حداثي وعقلاني ، وإنشاء ثقافة برلمانية تتلاءم مع رهانات المرحلة المقبلة.
"الراي"
Mahers.arab@hotmail.com