اتاحت لي الدستور حين عدت بعد غياب تجاوز الثلاثة عقود الى عمان ان استضيف عددا من ابرز المفكرين والادباء العرب تحت عنوان اسبوعي هو الدستور تستضيف، ولا أدري لماذا تذكرتهم جميعا عندما سمعت برحيل الصديق مطاع صفدي، فهل كان ذلك لأنه كان احدهم ؟ ام ان معظمهم غيّبه الموت اجسادا لكنهم اسطع حضورا من الاحياء بما انجزوا ، اذكر منهم د . احسان عباس وجبرا ابراهيم جبرا، وهانز كوشلر وعبد الوهاب البياتي والدكتور حسن حنفي والدكتور نقولا زيادة ومطاع صفدي والشاعر محمود درويش والشاعر أدونيس وغيرهم !
من تبقى منهم على قيد الكتابة والحياة معا نتمنى له طول العمر، لكن من رحلوا تركوا بصماتهم على ورق الجريدة وعلى الايدي التي صافحتهم، ذلك الجيل من الرواد عبدوا لنا طرقات بالغة الوعورة يليق بهم وداع آخر، لأنهم فاضوا عن مساحات قبورهم، وما تبقى منهم في هذا العالم اضعاف ما مضى، وقد لا يعرف ابناء الاجيال الجديدة كم كابد هؤلاء وهم يجترحون آفاقا لحرية التعبير والحداثة، فقد تعرضوا للحصار والتكفير والتخوين، ولولاهم لما كنا الان على ما نحن عليه .
وقد شهدت السنوات الخس العجاف الاخيرة رحيل معظمهم وكأنه تزامن دراماتيكي بين عقم السياسة ويباب الثقافة في زمن تعالى فيه ضجيج الجعجعة وشح التعبير .
ان معظم هؤلاء ممن ولدوا في الربع او الثلث الاول من القرن العشرين حين كان العرب يلثغون بنشيد الاستقلال، ويطرقون ابواب العصر والحداثة على استحياء واحيانا بما ورثوه من عكازات الاسلاف !
واذكر ان احدهم قال لي وانا اودعه انه يخشى من خيانة القابلات وهن يستولدن المواهب الجديدة فقد يتقاضين اجرا مقابل الخنق والاجهاض !
لقد تركوا لها في المشهد مقاعد امامية فارغة، لا يملؤها الا غيابهم !!
الدستور