حين تعرضت بروكسل لعملية ارهابية نهاية اذار الماضي قلت في هذه الزاوية : ان رسالة بروكسل تعنينا ايضا , واضفت ما يلي : “ ثمة مشتركات بين بلجيكا وبين الاردن كمقر او “ كممر “ للارهابيين . لا اريد هنا ان ادخل في تفاصيل هذه المشتركات، وهي متعددة، لكن ما جرى في بروكسل يمكن ان يتكرر في عواصم اخرى، في منطقتنا كما في اوروبا وغيرهما؛ ما يدعو فعلا الى الانتباه والحذر” .
ما دفعني لاعادة التذكير بما ذكرته قبل نحو ثلاثة اشهر مسألتان مهمتان , احداهما اعلان داعش مسؤوليتها عن العملية الارهابية التي تعرض لها احد المواقع العسكرية شمال شرقي المملكة , وهي المرة الاولى التي يعلن فيها التنظيم عن عملية ضد بلدنا , ويمكن فهم الاعلان في سياق واحد وهو ان داعش انتقلت من دائرة “ الحرب الصامتة” ضد الاردن تحديدا الى دائرة “ الحرب المفتوحة” والمعلنة , صحيح ان هذا التحول كان متوقعا وربما تأخر بعض الوقت , لكم ما حدث من تغيرات في الرقة والانبار وفي البادية الجنوبية السورية عجل في حسم ههذا الخيار ,ومن المتوقع بالتالي ان يحاول التنظيم الارهابي استهداف بلدنا مجددا , وربما يكون له “ بنك” اهداف يتجاوز الامواقع العسكرية الى المنشات المدنية , كما ان ادوات التنفيذ التي يستخدمها قد تعتمد على “ الذئاب “ المنفردة التي تقوم بعمليات انتحارية ( الرقبان نموذجا ) عابرة للحدود , او على خلايا نائمة داخلية مكونة من اشخاص متعاطفين مع التنظيم ومقيمين بيننا .
اما المسالة الثانية فهي على صلة بداعش , لكن من جهة التطرف الذي قد يفضي الى الارهاب , وتتعلق بنمو حالة التطرف بمجتمعنا , لا اتحدث فقط عن عدد من الائمة الذين رفضوا اقامة صلاة الغائب على ابنائنا الشهداء , بما تحمله هذه الحالة من اشارات صادمة يؤكد ان لدينا “ دواعش “ في الداخل , وانهم في موقع المسؤولية عن توجيه الناس، ويفترض ان يصححوا مفاهيمهم وقناعاتهم نحو الاعتدال والتدين الصحيح , وانما ايضا عن ارقام الاستطلاعيات والاحصائيات التي تشير الى وجود “ متعاطفين “ مع داعش وغيرها من التنظيمات بيننا , يكفي فقط ان نحو 2500 مقاتل اردني انضموا للقتال في صفوف داعش والنصرة في سوريا والعراق , وان نسبة المتعاطفين مهما حسب اخر استطلاع اجراه مركز الاستطلاعات الاستراتيجية يبلغ ( 1%) وهي نسبة خطيرة , زد على ذلك ان لدينا نحو 7 الاف وربما اكثر من السلفيين الجهاديين , كما ان بعض منتظري هذا التيار مازالو يعيشون بيننا .
حين ندقق في الخطرين : خطر التنظيم الارهابي الذي تبنى عملية “ الرقبان “ واستهدفنا في عمليتي اربد والبقعة ( دون ان يعلن ذلك ) وخطر الافكار المتطرفة التي تصب في اتجاه التظيم بصورة او باخرى , ولا تتردد في الاعلان عن نفسها , نجد ان بلدنا امام حرب مفتوحة وخطيرة , كما نجد ان التعامل معها بمنطق الحلول التقليدية لا يكفي، وان الاستناد لنظرية اننا ننتج التطرف ونصدره دون ان يكون له “ حواضن “ اجتماعية في مجتمعنا , يحتاج الى مراجعة واعادة نظر, لاسيما وان بعض الشباب الذين وقعوا في فخ التنظيمات الارهابية محسوبون على طبقة “ النخب “ السياسية المتعلمة وليسوا من الفقراء والمهمشين.
لا اريد ان ادق ناقوس الخطر مرة اخرى , فقد ذكرت في مقالات سابقة انني اضع يدي على قلبي , لكن هذه وصفة وجدانية فقط فيما الحقيقة اننا نحتاج الى وصفات ومقاربات اخرى , فالارهاب وكذلك التطرف اصبحا يدقان ابوابنا بقوة , واذا كانت ثقتنا بمؤسساتنا الامنية والعسكرية ستعفينا من الحديث عن اي “ تقدير للموقف “ او مقاربة لمواجهة خطر التنظيم القادم من وراء الحدود او من داخلها , فان من واجبنا ان نطالب حكومتنا ومؤسسات مجتمعنا بالتصدي لخطر التطرف الذي يتنامى ولا يتردد باشهار نفسه على الملأ , ليس فقط من خلال استراتيجيات توزيع الادوار والمهمات , ومقاربات انشائية لا تخرج عن المألوف , وانما من خلال ثورة حقيقية تشمل المجالات الدينية والثقافية والسياسية والتعليمية , تبدا بتغيير المفاهيم اولا , وتحطيم اصنام التطرف ثانيا , ومواجهة اسئلة المجتمع ( وخاصة الشباب ) باجابات مقنعة تطمئنهم على هويتهم وواقعهم ومستقبلهم , وتقطع صلتهم بعفاريت التطرف اينما ما كانوا , اعرف بالطبع انها مهمة صعبة , لكنها في اطار الحرب التي نواجهها فريضة لابد ان نقوم بها بسرعة وحزم , لان انتصارنا في الحرب ضد الارهاب سيعتمد على نجاحنا في القيام بهذه المهمة.
الدستور