"الرأي العام الأردني على صواب"
أ.د. أمين مشاقبة
27-06-2016 05:09 PM
أمام هذا الحدث الجلل والمصاب الأليم نعزي أبناء الشعب الأردني بكل مكوناته، هؤلاء الشهداء منا ودمهم من دمنا يلحقون بمواكب الشهداء ممن سبقوهم وما بدلوا تبديلا، دفاعاً عن الدولة الوطن التي تتحدى التحدي في محاربة الإرهاب والتطرف وتقف وقفة رجل واحد مع القيادة الحكيمة، في تصديها لخوارج العصر، هؤلاء الأبطال أبناء قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية هم السد المنيع ضد كل الاستهدافات والتحديات والمؤامرات التي تحاك ضد هذا الوطن الدولة.
إن النكبة السورية قد أثرت تأثيراً مباشراً على الأردن وشعبه العظيم، فمنذ بروز النكبة في سوريا وقف الشعب الأردني مع الشعب السوري الشقيق وتم استقبال ما يزيد عن مليون 300 ألف مواطن (لاجئ) سوري في مخيمات محددة والجزء الأكبر انخرط للعيش في المدن والقرى والبوادي الأردنية، وتحمل الأردن الجزء الأكبر من رعاية اللجوء السوري في كافة القطاعات، التعليم، الصحة، المياه، العمل، الطرق، المواصلات وحتى لقمة الخبز، ومع كل المناشدات والدور الدولي لم تتعدّ المساعدات التي قدمت إلى الأردن عبر خمس سنوات 38% من تكلفة اللجوء السوري على الأرض الأردنية، والبقية تحملها الاقتصاد الوطني، والمواطن الأردني، إن كان ذلك في ارتفاع الدين الخارجي العام، وارتفاع عجز الموازنة، وازدياد الضرائب والرسوم وارتفاع الأسعار، وازدياد معدلات البطالة، واتساع رقعة الفقر، وتدني المستوى المعيشي، كل ذلك تحمله المواطن الأردني، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية من ازدياد معدلات الجريمة، وانتشار المخدرات، وقضايا أخرى يضاف إلى ذلك تردي الوضع البيئي في العديد من مدن المملكة وعلى سبيل المثال، إربد، المفرق، الرمثا. وأمام هذا وغيره مما لم نذكره هنا فإن هناك ضرورة وطنية في إعادة النظر استراتيجياً وليس تكتيكياً مع قضية اللجوء السوري برمته حفاظاً على المصالح الوطنية العليا بدءاً بقضايا الأمن والاستقرار وانتهاءً بأصغر قضية تتعلق باللجوء، إن قرار إغلاق الحدود واعتبارها مناطق عسكرية أمر جيد، ووقف إنشاء مخيمات جديدة يعتبرة خطوة أولى من الاستراتيجية العامة للمعالجة، الرأي العام الأردني ينادي بوقف استقبال اللاجئين على الأرض الأردنية بالمطلق ويقول "كفى" "وطفح الكيل" لم يعد المواطن الأردني قادراً على تحمل تبعات اللجوء السوري، أو العراقي أو غيره، عدد سكان الأردن يصل إلى سبعة ملايين مواطن تقريباً أو تحديداً هو 7.450 مليون ويعيش على الأرض الأردنية ما يقارب 11 مليون مواطن أي اقتصاد يتحمل ذلك؟! إنني أقول ذلك حفاظاً على حقوق المواطن الأردني وانتمائه للوطن الدولة، وولائه للنظام السياسي والشرعية السياسية التي يقدمها للوطن الدولة، والمعادلة هنا تقود إلى سؤال الهوية الوطنية الأردنية التي يشعر البعض أنها مهددة في ظل أوضاع كهذه، إن النجاح الذي حققه الأردن عبر العقود السابقة لا يمكن هدمه أو تدميره في لحظة غياب العقل الجمعي وغياب استراتيجية حقيقية لمعالجة الوضع الراهن، لا يجوز لنا أن نغفل هنا مذكرة "بان كي مون" الداعية للتوطين والتجنيس للحفاظ على كرامة اللاجئ وحقوقه الإنسانية وكرامته، الوطن لا يتحمل أي شيء من ذلك، صحيح أننا دولة تسعى لتكون دولة القانون ولا نريد ذلك على حساب الهوية الوطنية وشرعية وإنجازات النظام السياسي الأردني، أعي تماماً أن مقالاً لا يغير في الحالة ولكن نقول لأصحاب القرار أن الضرورة القصوى تستدعي وجود استراتيجية وطنية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وآثار اللجوء، الولايات المتحدة استقبلت 15 ألف لاجئ سوري فقط،، فلماذا نحن ندفع الثمن مرة أخرى لأننا دفعناه سابقاً في قضايا عربية أخرى؟ نقول هذا لعل وعسى أن يحترم الرأي العام الأردني لأنه على صواب والشعب بمجمله لا يخطئ، إن الضوء البرتقالي أمامنا ولا نريده أن يتحول إلى اللون الأحمرحمايةً للوطن ومصالحه العليا، فالشعب الأردني على درجة عالية من الوعي والإدراك السياسي للحالة برمتها وفيه من الكفاءات والعقلاء والحكماء الكثير الذين يمكن الاعتماد عليهم لكن الكل يغلق الباب في وجه الآخر ولا أحد يريد أن يسمع خوفاً على مصالحهم الذاتية متناسين مصالح الوطن العليا، حمى الله الأردن الدولة الوطن ورعاته.
* وزير سابق
Almashaqbeh_amin@hotmail.com