بين صيام النفوس وصيام الأجساد
د.فايز الربيع
26-06-2016 09:51 PM
اسرار آيات الصيام لا تنقضي ؛ الصوم عبادة عظيمة ومن هنا كانت متصّلة لدى كل الأمم ( كما كتب على الذين من قبلكم ) في بداية شهر رمضان يتداول الناس ما يسمى ( بألامساكية ) . وهذه أفضل وصف لصيام الاجساد وهو الامتناع عن الطعام والشراب وكل الشهوات . أما صيام النفوس فهو المرحلة الأعلى من الصيام والتي ترتبط بمصدر الخلق وهو الخالق . ومصدر الطاقة السرمدية والقوة التي لا تنضب . فيكون السمو فوق التعب والجوع .
الأيات التي تحدثت عن الصيام . أعطت الرخصة ( للمريض والمسافر ) واكملت ( أن تصوموا خيراً لكم ) – واحدة من القضايا المطروحة للنقاش . هي الاستنباط من مصدر التشريع الأول – القرأن الكريم – وبما أن الأمر يتعلق بالعبادة – فالنص واضح في الرخصة . دخل على الرخصة موضوع يهم غالبية نساء المسلمين وهي ماذا تتصرف المرأة ( الحائض ) – الأحاديث الواردة في هذا السياق تتحمل اكثر من استنباط ؛ والأية لم تشر الى ذلك مع أن الموضوع يتعلق بركن الصيام . ما يمكن طرحة في هذا السياق هو استنباط يقول إن المرضى – وليس كل حائض تستطيع الصيام – وهو أمر قابل للنقاش بالرغم من انه مستقر في اذهان المسلمين وفي فتاوى العلماء أن الحائض تفطر – وتقضي الصيام .
ما كان متداولاً في المدينة – وعند اليهود – وفي شريعتهم – قساوة تتعلق بالمرأة الحائض من حيث الأكل والمجالس وغير ذلك – واندرج جزء من هذا التشريع عند المسلمين .
وإن الأية التي تناولت ( المحيض ) – لم تشر الى موضوع العبادة بل أشارت الى العلاقة الزوجية جزء من الأية الاخرى المتعلق بقوله تعالى ( ولتكبروا الله على ما هداكم ) – ما هي صيغة التكبير – هل هو ما نفعله بعد الصلاة – من التسبيح والتكبير ؛ أم ان التكبير له معنى أخر – يتعلق بتعظيم شرع الله – وتعظيم الله – في القلوب اولاً . حتى تحصل الوجوه على نضرة النعيم .
لماذا جُعل الصيام تكفيراً لاشياء كثيرة – للقتل الخطأ – للمظاهره من النساء – لليمين المعقّد – إذن للصوم فائدة وتأثير شيء كبير وكثير جداً وهو سحب الطاقة السلبية من الانسان عندما يخطئ ؛ فكيف يتحول الصيام الى سبب من اسباب الاخطاء والعنف – هو شرعّ كي يقلل من العنف حتى في حالة الخطأ فكيف يكون سبباً للعنف – إذن هو ليس الصيام المقصود في الأية الكريمة ( لعلكم تتقون ) .
من هنا يمكن ان نفهم كيف فهم المسلمون الاوائل معنى الصيام عملياً وكانوا مجاهدين وهم صائمون – يفتحون الأقطار – لأنهم فتحوا النفوس وبدون ذلك فأن المقارنة صعبة بين ما نقوله عن التاريخ ونتحدث به عن فعله المسلمون وهم صائمون ؛ وما يفعلونه الأن – نعم هم يجاهدون الأن ولكنهم يجاهدون ببعضهم البعض – فرادى وجماعات. وهذا اكبر تحول لمعنى صيام النفوس عندنا نحن المسلمين .
القرأن تحدث عن الأيام المعدودات ( اياماً معدودات ) . وأشار ( ولتكملوا العدّه ). ومن هنا لابد من استكمال الصيام بالعدد . ومن هنا كان القضاء اذا كان هناك عذراً في الإفطار .
اما القضية التي شغلت وتشغل بالي فهي قضية توقيت الإمساك وتوقيت الإفطار ؛ القرأن تحدث عن الفجر ؛ والفجر من الانفجار . وهو انفجار الضوء – فهل الأذان لصلاة الفجر ؛ مرتبطة ( بالخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) – وإذا ربطنا ذلك بقوله تعالى ( ثم اتموّا الصيام الى الليل ) – والتمام هو غير الإكتمال – الوارد بقوله تعالى ( اليوم اكملت لكم دينكم ) – أي جاء الدين عبر سنوات طويلة حتى اكتمل ولكنه أشار الى ( واتممت عليكم نعمتي ) ؛ فماذا يعني تمام النعمة – هو بعد الأكتمال وإتمام كل الحلقات المطلوبة بالتفضيل – وماذا تعني كلمة ( الليل ) لماذا لم تشر الأية الى الغروب ؛ مع أن كلمة الغروب قد وردت في القرأن الكريم ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) ولكن الأية اشارت الى الليل ؛ ماذا نعني بالليل ؛ وهل هو غير الغروب هل الإفطار مع الأذان تسبيقاً للوقت مع ربطه بالخيط الأبيض والأسود هي قضية ايضاً تهم كل المسلمين لإنها مرتبطة توقيت الأفطار .
يشهد الله انني لم اقصد إثارة هذه القضايا – اثارة بلبله – أو تشويش – ولكنها تساؤلات تفرضها قضية التدبّر التي طلب الله منا ان نتمثلها عند قراءة القرأن ( ليدبرّوا أياته ) . مع يقيني أن الصادق الصدوق المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يمكن ان يشرّع لنا ما يتناقض او يتعاكس مع القرأن الكريم وهو الذي يبلغنا عن الله سبحانه وتعالى ( ولو تقولّ علينا بعض الاقاويل ) ثم يحذره أشد التحذير من ذلك فهي اشارة تدعونا الى محاولة الاستنباط من النصوص ومقارنتها – دون ان يكون كلا منا نسخ مكررّة عن كتب ضمن ما اسميته ( تعليب التعليم ) ( وتحنيط المعلومات ) ونقلها كما هي دون تمحيص .
Email: drfaiez@hotmail.com