سكجها يتذكر : لعبة الطرنيب هي العنوان
26-06-2016 04:11 PM
فرح العلان
..................
في القدس وُلدت رحلتي التاريخية بطقوسها الرمضانية، يقول الكاتب الصحفي والروائي الزميل باسم سكجها وتبدأ من الصوم، مروراً بجولة ما قبل الإفطار، وإنتهاء بالقراءات التاريخية الإسلامية الليلية. كنت في الصف الرابع الابتدائي، في التاسعة من عمري، حين أعطتني جدتي عفيفة ديناراً وطلبت مني أن أذهب إلى فُرن معيّن داخل السور فأشتري خبزاً وأوزّعه على من يريد في باحة الحرم. لست أذكر المناسبة ولكنّني أتذكر أنّ المكان كان بالقرب من سوق القطّانين المؤدي إلى درج ينتهي بالاطلالة على مسجد قبة الصخرة البهيّ. أنجزت مهمتي بنجاح، وبدأت رحلتي الحياتية مع رمضان.
في عمّان، دون أن أشهد النزوح، فقد شاءت الأقدار أن نغادرها قبل الاحتلال بثلاثة أيام، ولا أنسى
عمان
أنّ أوّل رمضان عمّاني لي كان في الشتاء، وجولة ما قبل الافطار كانت تبدأ من محلّ جدّي لأمي في سوق الصاغة، وتنتهي به، وما بينهما كان التأمّل في واجهات المحلات، والعذاب اللذيذ بشمّ روائح قلي الفلافل وشيّ اللحوم في الدخلات، وقُبيل ضرب المدفع أصل إلى جدّي وقت إغلاقه المحل ليقلني بسيارته من الشابسوغ إلى اللويبدة.
القاهرة
رمضان في القاهرة جميل ومختلف، ولكنّني لم أشهده أبداً رغم قضائي فيها خمس سنوات، فقد كان يأتي في الصيف، أمّا رمضان في دبي التي عشت فيها خمس سنوات أخرى فقد بدأ بالافطار مع العاملين الباكستانيين في تلفزيون دبي، لأنّني كنت العازب الوحيد في غرفة الاخبار، تآمر الزملاء على أن تكون نوبتي موعد المدفع، وبذلك سيكون إفطاري في الكافتيريا على أطعمة يغلب عليها الفلفل الحار والبهارات الحراقة.
في صحيفة “البيان” كان الأمر مختلفاً، حيث صار رئيسها الشيخ حشر مكتوم صديقا لي، يصحبني يومياً بسيارته في جولة صحراوية آسرة، نعود منها إلى بيته المفتوح دوما للاصدقاء في الجميرة مع قول ”لا إله إلاّ الله”، نتناول إفطارنا مما لذّ وطاب من الوجبات الخليجية، والحلويات والمشروبات والعصائر الرمضانية.
في الرأي»
أمّا الطقوس التي أعيشها الآن، ومنذ إثنين وثلاثين عاماً، فهي تحمل نكهة جريدة “الرأي”، التي دخلتها في الشهر التالي لرمضان، ولكنّني في العام التالي كُنتُ قد أصبحت صديقاً لجميع الزملاء، فتكوًنت بالمحبة شلّة أصدقاء تاريخية، نلتقي بعد الظهر في مبنى الجريدة فيما يشبه اجتماع غير رسمي، نتسلّى سالحديث عن أطيب الأكلات التي تطبخها أمّهات المؤمنين من زوجاتنا وأمّهاتنا، ثمّ نتوزّع على السيارات لتتوجّه كل واحدة إلى مكان، وكانت الغالبية تفضّل الذهاب إلى وسط عمّان، أمّا حصّتي فكانت إصطحاب زميلين أو أكثر إلى المزارات والمقامات والأضرحة والجوامع، في جولة طويلة، تتخللها شراء حاجياتنا من خبز وخضروات وحلويات من غير مكان.
من الطرائف أنّنا ذات يوم، كنّا في زيارة مقام بلال بن رباح مؤذن الرسول، ومع وصولنا عند نزلة ترابية قال زميل متهكماً: بلال بيك؟ فتعثّر بحجر ووقع من طوله أرضاً وتدحرج، فضحكنا وأبلغناه أنّ سيدنا بلال زعل عليه، وهذه من بركاته، ولم يعيدها بعد ذلك اليوم.
أيام حلوة
ومن الطرائف، أيضاً، أنّني والزميل خليل عبد السلام، كنا في سيارتي نسير عند طلوع ماحص، عائدين من زيارة مقام سيدنا النبي شعيب، حين تعطّل جهاز تغيير السرعات «الجير»، ركنّت السيارة، ووقفنا بانتظار سيارة تقلّنا من تلك الطريق التي كانت شبه مهجورة، كان موعد الافطار وشيكاً، وأخيراً أشرنا لسيارة نقل بيض من المزارع المنتشرة هناك، توقف سائقها وأوصلتنا إلى بلدة ماحص، لنستقل سيارة أجرة أوصلتنا إلى بيتينا بعد الإفطار!
حدث عن الطرائف، ولا حرج، ومنها أيضاً: كنا عائدين من جولة: أحمد سلامة، يوسف العبسي وأنا، حين توقّف محرك سيارتي في صويلح، فأفتى أحمد سلامة بأنّ “السيارة كشنتت”، ونصح بعدم تشغيلها لأنّها ستعطب نهائياً، أوقفنا أول سيارة أجرة وعدنا.
ظلّت السيارة حيث تعطلت أسبوعاً، وعندما أحضرت الميكانيكي أدار محركها بكل بساطة، وقال إنّ الخلل كان بسيطاً جداً!
في الليل، كنّا نتحوّل من صحافيين إلى لاعبي ورق، وتنقّلنا عبر السنوات من مقهى إلى آخر، بدءاً من مقهى السنترال مروراً بمقهى الأردن، وسط البلد، وانتهاء بفندق عمان انترناشيونال، حيث صارت طاولتنا تضمّ السياسيين من نواب ووزراء وغيرهم.
صارت لعبة الطرنيب هي العنوان، وكنت أتشارك مع سمير الرفاعي مقابل احمد سلامه وصلاح اللوزي، أو ناصر جودة وعبود ابو حسان، أو يوسف العبسي ويوسف العلان، أو سعد السيلاوي وخليل عبد السلام، وسمير الحياري وعبد الرحمن العبوشي وإياد الوقفي. كان عبد الوهاب الزغيلات متخصصاً في لعبة “الهاند”، على طاولة مجاورة تضم الراحل محمود الكايد، مروان الحمود وعلي أبو الراغب، عادة ما كان عبد الوهاب يكسب، وأظنّه وبعض الظنّ إثم كان يغشّ، أو في القليل يتلاعب بالأوراق! سامحنا يا أبا عدي على كشف الحقائق، فقد تقادم عليها الزمن.
الراحل بدر عبد الحق، محمد ناجي العمايرة وسليمان القضاة كانا ينضمان لنا آخر الليل، لا يلعبان الشدّة أبداً، ولا أتذكّر أنّ طارق المومني لعبها معنا في يوم مع أنّه كان من شلّة السهر أحياناً.
تلك أيام حلوة، حافظت على وتيرتها، بغياب الأصدقاء والزملاء كلّ في شأنه، لكنني ما زلت أذهب في جولاتي اليومية قبل الافطار، وما زلت أقرأ بعد الفجر من كتب السيرة النبوية، لا أكتب إلاّ قليلاً، أمّا النوم فهو قليل قليل، ويبقى أنّ لا شهر أجمل من رمضان في مطلق الأحوال.
عن الراي.