فريحات يكتب: الرقبان والفقر والتنمّر على الدولة
محمد خير فريحات
25-06-2016 11:46 AM
الضرب على قوة القلب..
وهكذا سيكون رد الأردن على مرتكب جريمة الرقبان، ولمن يعرف الأردنيين جيدا، فليس هناك من لديه قلب أقوى من قلوبهم..ولمن يعرفهم يدرك أنهم "الرجال الذين يُعزّون أقوالهم بأفعالهم".
سيكون ضربا بلا هواده، موجعا، موغرا في الجرح والألم.. الدم الأردني العزيز الغالي ليس مسفوحا ولم ولن يكون يوما..!
من إرتكب جريمة الرقبان سيتألم كثيرا وسيعاني من الوجع..
ولمن لا ينسى التاريخ، فلينظر كيف كان رد الأردن على تفجيرات فنادق عمان الإرهابية عام 2005، لقد طالت يد العدالة الأردنية حينها المجرمين وهم مختبئون في جحورهم خارج حدود الوطن، باغتتهم وأخذتهم على حين غرة أخذ عزيز مقتدر، وهكذا سيكون مصير مرتكبي جريمة الرقبان مهما طال بهم الزمن ومهما طال بهم العُمر.
كل من راهن على إضعاف الأردن، فشل فشلا ذريعا، وكل من حاول إلحاق الأذى بالأردن تعرض لنكسات متلاحقة وكان الموت نهايته المحتومة، والأحداث والشواهد التاريخية تسجل ذلك جيدا.
إذن لا مجال هنا للمساومة أو التهاون أو المهادنة في هذه المسألة، هي مسألة وطن وسيادة وطن،.. وسيادة الوطن وأمنه وأمانه تعلو على كل شيء، حتى عندما يكون الأمر متعلقا بالقضايا الإنسانية، أو تداعيات الفقر والبطالة!
الفقر والبطالة، ومع تسليمنا بضرورة إيجاد حلول دائمة لهذه المشاكل وهو بالطبع من أهم وأبرز وأولى مسؤوليات الدولة، إلا أن الفقر والبطالة لا يجب ولا أحد يقبل بأي حال من الأحوال بأن يكون سببا للتنمّر على الدولة بل ورفع السلاح في وجهها والتطاول على سيادة القانون!!
نعترف جميعا ولا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك فساداً وفاسدين ومفسدين في الاردن مثل أي دولة عربية وحتى مثل أي دولة في العالم، ونعترف كذلك أن مديونية الدولة بلغت مستويات خطيرة لا نعرف أسبابها، وأن الوضع الإقتصادي سيء جدا وأن هناك أثرياء في الدولة تغولوا كثيرا على مقدرات الوطن على حساب "الكادحين والمسخوطين" والذين "ضاقت بهم الأرض بما رحبت"..
نعترف بكل ذلك وندركه جيدا، لكن هل يكون الرد على كل هذه المصائب بالتنمُّر على الدولة والتطاول على هيبتها؟!.. هل يكون الرد بحرق بيوت المواطنين الأبرياء وترويع الآمنين؟!… هل يكون الرد بأن نرفع السلاح الأوتوماتيكي والكلاشينكوف ونطلق منه الرصاص على جنود الوطن وهم أشقاؤنا وأبناؤنا وأقاربنا وأبناء عشيرتنا!
هل هناك عشيرة أردنية واحدة ليس لديها أبناء يخدمون الوطن على الحدود أو في أي من مواقع الجيش أو الأمن العام أو الدفاع المدني؟!
كيف نطلق الرصاص على من يسهر على أمن الوطن ويصل الليل بالنهار وهو يحميني ويحميك ويحمي منجزات الوطن؟! كيف نطلق الرصاص على من يلبس الفوتيك ويرتدي "البريه" ويضع التاج على رأسه؟!
مطالب أهل ذيبان وهم أهلنا وأبناؤنا وغيرها من بعض مناطق المملكة نحملها على رؤوسنا، وهي مطالب مشروعة وحقوق واجبة على الدولة، لكن في حال عدم تحقيق هذه المطالب، هل الحل أن نغلق المنطقة ونحمل الأسلحة بوجه الدولة؟! هل هذا هو الحل الأمثل!… هل نتحول الى "يا خرِّيب يا لعِّيب"! هل ندع الفقر والبطالة تحولنا الى وحوش تأكل بعضها بعضا؟!
والله ما كان الفقر يوما سببا لمثل هذه التصرفات الخارجة على القانون، والخارجة على تقاليدنا وأصالتنا والأصول التي تربينا عليها نحن الأردنيون!… أبدا لم تكن يوما هذه أخلاق الأردنيين، وهل الاردن هو فقط من يستوطنه الفقر؟!..
ماذا عن تونس والمغرب والجزائر ولبنان وموريتانيا؟
هل هذه دول ثرية؟ أليس لديها فقر وبطالة بمعدلات وبمستويات أعلى من الأردن بكثير؟
دعك من هذه الدول، لنذهب الى اوروبا، ماذا عن أوكرانيا وبلغاريا والبوسنة والهرسك وصربيا وكوسوفو وألبانيا على سبيل المثال؟ جميعها دول أوروبية ووضعها الاقتصادي ومتوسط معدل دخل الفرد لديها لا يختلف كثيرا عن نظيره في الاردن!
ما بال شعوب هذه الدول لا يحملون السلاح في وجه دولهم وحكوماتهم؟ ما بالهم لا يتقاتلون ويتفششون ببعضهم البعض بين الحين والآخر؟ ما بالهم لا يبنون خيام يغلقون بها الشوارع ويقطعون أرزاق العباد؟
الوطن لا يستحق منا كل ذلك، والفقير أو العاطل عن العمل الذي يملك سلاحا يتجاوز سعره 800 دينار، ليس بفقير ولا عاطل عن العمل!!
عندما أسلم بلال، سألوه: كيف تحملت كل هذا العذاب؟ فقال: كنت أخلط مرارة الألم مع حلاوة الإيمان، فتتغلب حلاوة الإيمان على مرارة الألم!
هلّا ندع عشق الوطن وخوفنا على مصلحته والإيمان به قويا عزيزا شامخا يتغلب على مرارة الفقر والبطالة؟!
هذا ليس بعيدا عنا ولا بغريب… نحن من يتنشق رائحة الشيح وعبق القيصوم، نحن أبناء الزيتون وسنابل القمح… أبناء الطابون، نحن من يحرث تراب الوطن!!