شهد الوطن العربي حراكاً شعبياً غير عادي استمر لمدة ثلاث سنوات ابتداءً من 2011 وشمل بشكل مباشر تونس ومصر وليبيا وسوريا ، ولكن التداعيات والهزات الارتدادية طالت جميع الأقطار العربية دون استثناء.
أما وقد مر هذا الربيع خلال ثلاث سنوات كما يمر فصل الربيع خلال ثلاثة أشهر ، فربما جاء الوقت لدراسة الظاهرة وتحليلها وما إذا كانت تعبـّر عن الاتجاه الشعبي العام أم أنها طفرة غير محسوبة أطلقت شرارتها الفضائيات.
لعل أول ما يلاحظ على شعارات التحرك الشعبي أنه لم يكن موجهاً ضد إسرائيل أو أميركا أو إيران ، ولم يذكر قضية فلسطين ولو عرضاً ، ولم يتطرق للشؤون الخارجية ، وكان موجهاً بشكل محدد لإسقاط أنظمة حكم بالية وقابلة للإسقاط ، وليحتج على الفساد الحقيقي والافتراضي ، ويطالب بالعدالة الاجتماعية ولكن دون ذكر للاشتراكية.
غابت فلسطين ، وغابت الحرية ، وغابت الوحدة العربية ، وغاب الإصلاح الاقتصادي ، فهل يعكس هذا الغياب الواقع الاجتماعي والسياسي العربي الذي لم تعد تثيره هذه القضايا والشعارات.
من أبرز خصائص الربيع العربي أنه تلقائي ، لم ُيعد له سلفاً ، ولم يتنبأ به أحد ، ولم يقده حزب أو تنظيم ، وليس له قيادات رمزية أو فعلية ، وليس له برنامج عمل وأهداف محددة ، ولم يفرز قيادات كارزمية ذات قبول عام.
بعبارة أخرى كان الربيع العربي موجه عاتية بانتظار من يخطفها ويقفز على ظهرها. ومع أن قادة الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون) لم يكونوا المبادرين للثورة في تونس ومصر وليبيا ، ولم ينضموا إليها إلا بعد تردد ، فإنهم استطاعوا أن يخطفوها ويقفزوا على ظهرها ، مع أنهم تربوا على المعارضة ، ولم يكونوا مهيئين لاستلام السلطة ، فارتكبوا من الأخطاء ما ذهب بهم.
جاء الربيع العربي ليسقط أنظمة فاسدة ومستبدة ، ولكنه لم يأت ِ بخطة لإقامة أنظمة ديمقراطية نزيهة ، وقد نجح في تحقيق الهدف المعلن (إرحل) خلال أيام ، ثم لم يكن هناك بديل جاهز لملء الفراغ.
تحت هذه الظروف السائلة كان من الطبيعي أن تلتقط قوى الدولة العميقة أنفاسها وتتحرك لاسترداد مواقعها ، فالذي سقط هو القشرة العليا من الكيانات ، أما الجوهر فما زال يمسك بمفاتيح الحياة وينبض بالقوة ، ويستعد لاسترداد ما كان ، ولو بأسماء مختلفة.
هل كان الربيع العربي مجرد حمل كاذب ، فقاعة انفجرت فذهبت مع الريح؟. ماذا سيقول التاريخ؟.