سامحونا ان لم نكن نعرف قبل الموت أسماءكم..سامحونا ان لم نكن نحفل كثيراً بسمرة الصحراء التي لوّحت وجناتكم ..سامحونا ان كنا نتأفف أرقاً لتغير طراوة الوسادة أو قلة كفاءة المكيّف...وأنتم الواقفون على جمر الأرض تخجلون من مسح عرق الواجب بأكمامكم..سامحونا ان انفجرت شراهتنا يوماً على أطايب الأسواق، وانتم من يُقبّل «الخبز» القليل ويرضى بقسمة «الأرزاق»..
أنا لا أرثيكم..وهل يُرثى الحي إذا ارتقى؟؟..أنا فقط أقبّل جباهكم الدافئة كدمعة أب مشتاق..أنا أشخص ببصري نحو قامتاكم العالية كمئذنة وأقول هنيئاً لكم بنور الله الذي زين هاماتاكم...أنا لا أرثيكم..أنا فقط وجلٌ من هيبة المواكب ...من سيوفٍ لُفّت براية الوطن العزيز وحملت على الأكتاف والمناكب ..أنا لا أرثيكم وهل تُرثى الأوسمة التي تزين ياقة السماء ؟؟...وهل ترثى الكواكب!!..
كنتم تنتظرون الإجازة ، لتزينوا مائدة العائلة ، لتسندوا جذع الدالية المائلة..كنتم تحنّون لضحكات الأولاد..لصورهم التي تحتل واجهات تلفوناتكم ، تعدّون على الأصابعِ أيام الشهر وتشرعون بتقسيمة الراتب...عشرون لأمي ، خمسون لأبي..ومثلها عيديات...وما تبقى ملابس للصغار..ثم تفركون أصابع المطالب الزائدة وتعيدون البندقية على ذات الكتف باهتمام..»ملابسكم» في حقائبكم تتأهب المغادرة ، تنتظرون آخر الأسبوع علّكم تنعمون بساعات نوم إضافية..أو طبخة طازجة من يد الحجة...أو تحضّون عاطفتها لتحصدوا بعض الأدعية الرمضانية بطول العمر بعد كل تسبيح..أنا لا أرثيكم..وهل يُرثى الغيم المُزن ان حملته الريح؟!..
يا أحفاد جعفر..يا طيب الشيح ومزاج الزعتر..كل نقطة دم نزفت منكم..سيولد مكانها معسكر..يا أحفاد جعفر..هذا الأردن سيبقى «فوتيك» وفائكم الأخضر..قدر الأردن أن يبقى «وطن إسعاف» لكل الموجوعين ببلدانهم، لكل المجروحين بحكامهم، لكل المكلومين بأبنائهم ، دماؤنا «يود» وراياتنا لفافات شاش..بأنفاسنا نجري تنفساً اصطناعياً للعروبة المسجّاة بالإنعاش .. نوقف النزيف لا نفتعله، نصنع الجميل ولا ننتظر ردّه..نصفح عن الشقيق وان صعّر لنا خدّه.. لا نخاف العدو مهما عظمت صنائعه ، نعرف متى الصاع بالصاعين نرُدّه...يا أحفاد جعفر..يا طيب الشيح ومزاج الزعتر...وطن مثل الأردن ليس له إلا أن يكبر...لا تقلقوا ان ودعتمونا بغتةً...فكل سنبلة ، كل زيتونة..كل دحنونة....ما زالت تهتف...انا الأردن وأكثر!!.