الطائفية .. وطوق النجاه باستعادة الاسلام الحضاري
سارة طالب السهيل
24-06-2016 08:52 PM
تعيش مجتمعاتنا العربية فوق صفيح ساخن من التوترات الفكرية والدينية الامنية والسياسية، ويصاحب هذه التوترات انهيار في منظومة التعليم الذي انحدر من القمم الشاهقة الي الحضيض بتوجيهه نحو تكريس الفكر الأحادي الذي لا يقبل الآخر ويصارعه ويعاديه دون محاولة فهمه أو التعايش السلمي معه فيما يعرف بحوار الحضارات والثقافات أسوة بما حدث في حضارة الاسلام في عهد الرسول صل الله عليه وسلم وخلفائه والدوليتن الاموية والعباسية وكذلك حضارة المسلمين في الاندلس .
وقد صاحب الانحدار في المنظومة التعليم تراجع ملحوظ عن التمسك بالقيم الاخلاقية والروحية التي كانت تمتاز بها شعوبنا العربية، في مقابل اعلاء الجانب المادي والاستهلاكي الذي يقيم الانسان بالمادة وليس العلم أو الاخلاق .
والحقيقة ان الألفية الثالثة التي نعيش في زمانها قد جاءت بالعولمة التي كرست للحياة العلمية التكنولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأثمرت عن تقدم مذهل في والاختراعات العلمية، ولكنها ادت ايضا الي طغيان المادية بالكامل علي التفكير العلمي وظهرت الاحتكارات والتكتلات ومن ثم الصراعات والحروب التجارية والاقتصادية. وأمام توحش المادية قلت الانسانيات وغاب العدل وضاعت معاني الصدق واتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء .
خلق اتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء حالة من التمرد لدي العديد من الشعوب العربية ضد انظمتها الحاكمة في الوقت الذي كانت قوي التشدد الديني قد غرست مخالبها في ارجاء العالم الاسلامي وظهرت العديد من حركات التطرف الديني ولكنها كانت تعمل في الخفاء مدعومة من بعض جهات خارجية حتي اندلعت ثورات الربيع العربي، وكشفت الجماعات الجهادية والتكفيرية الجديدة عن نفسها بوضوح في محاولة تصدرالمشهد السياسي في العالم العربي خاصة داعش وعندما فشلت في قيادة الدول العربية بمفهمومها للاسلام السياسي اتجهت لسياسة الارض المحروقة ومذابح دموية لا تنتهي وتنفيذ اجندات غربية لتقسيم العالم العربي وفقا لسيايكس بيكو جديدة .
فرق تسد
وبرغم اننا نعيش كمسلمين نحتكم لله ولرسوله في منزل كتابه بضرورة توحد المسلمين ليكونوا مصداقا لقوله تعالى ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) وكذلك وقوله تعالي ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ) ، فان الواقع العربي يسير علي عكس الدعوة الشريفة في هاتيت الآيتين الي التفرق والفرقة والانقسام ويكتوي بنار الطائفية الممجوجة التي يزكيها اعداء الامة لتدمير اوطاننا واحلامنا ثم ينقضون علينا بعد ان انهكنا انفسنا بأنفسنا
ليس فقط بين المسلمين فيما بينهم وإنما يمتد الصراع بين المسلمين واخوتهم من الديانات السماوية الأخرى و الطوائف المختلفة
وليس هناك اسهل علي اعداء امتنا من تطبيق مبدأ " فَرِّق تَسُدْ " وهو مصطلح سياسي عسكري أقتصادي ويعني تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة. ويستخدم اعداء الامة العربية والاسلامية سياسة فرق تسد حاليا علي قدم وساق لتفكيك قوانا وتحييدها من خلال توجيهها داخليا واحدة ضد الأخرى مثلما فعل الاستمعار الاجنبي في بلادنا قديما، وذلك من خلال إثارة الفتنة الطائفية والتحريض على العنصرية ونشر روح الانتقام بين الطوائف وإشعال حروب داخلية وخارجية تنتهى بإنهاك قوى كافة الأطراف، ولعل ما حدث في العراق اكبر نموذج ناجح لقدرة اشعال الفتن الطائفية لتدمير الوطن وتفتيته وتقسيمه.
والمصيبة الكبري ان سطوة الفتن الطائفية والمذهبية في لبنان وسوريا واليمن تمتد وتشتعل يوما بعد الاخر دون ان يحاول ما يسمي بالمجتمع الدولي اطفائها حماية على الاقل لأرواح الابرياء من الاطفال الذي يغرقون في بحر المتوسط عندما يفر ذويهم من المذابح في سوريا والعراق .
والمشهد الدولي واضح وضوح الشمس في تعاون القوي الكبري في احكام القبضة علي الدول العربية و الشرق اوسطية بتشجيع النعرات الدينية والعشائرية حتى يغرق المسلمون في مستنقع العداوات البغيضة وينشغلوا عن المطالبة بحقوقهم أو تحقيق اية نهضة عملية واقتصادية لبلادهم .
وإعادة تقسيم الوطن العربي الى دويلات جديدة مخطط قديم ،ولكن صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية اعادت فكرته للحياة مجددا عام 2013 بنشره وتوضيحه تعمد تقسيم خمس دول بالشرق الأوسط تم تقسيمها إلى 14 دولة جديدة، وذلك بفعل النزاعات والعنف الطائفي .
الشماعة
اذان الشماعة التي يتكئ عليها الامريكان لتغيير الخارطة الجغرافية بوطننا العربي هي العنف والتطرف المذهبي والديني، ولما كان العنف أخذ في الزيادة والانقسام بين المسلمين بين المسلمين سنة وشيعة ومتصوفة و سلفية قد بلغ ذروته من الاقتتال المذهبي والاقتتال الفكري والدموي ايضا، مع غياب منظومة تعليمية تكرس لاهمية وحدة المسلمين وتبرز ان الخلاف بينهم هو اختلافات في الفروع وليس في جوهر الدين بماجاء من توحيد وشريعة واتباع لسنة المصطفى صل الله عليه وسلم، فان الباب اذا مفتوح علي مصراعيه امام تحقيق هدف الاعداء في المنطقة نحو تفتيت الدول التي تطحنها الخلافات المذهبية كالعراق ثم السودان فسوريا واليمن وليبيا وربما لبنان .
درس وعبرة
تمتع شعب العراق بقوة في بنائه الاجتماعي ونسيجه الوطني رغم تعدد العرقيات الاثنينة والمذاهب وقوةالنسيج الاجتماعي جعل العراق قويا اقتصاديا وعلميا وثقافيا، ولكن عندما غزت أمريكا العراق لعبت في اخطر مصادر قوته وهو نسيجه الوطني فعملت على تفتيت وحدة شعبه بخنجرالطائفية المسموم وخلال الفترة التى امتدت من السبعينيات إلى التسعينيات كانت التقارير تنتشر عن وجود مخططات لتقسيم الوطن العربى إلى كانتونات طائفية، عبر خلق الخلافات المذهبية والعرقية كمقدمة لتفتيت كل دولة عربية إلى دويلات، لتصبح هناك دولة سنية العراق وأخرى شيعية، وتقسيم سوريا إلى دولة علوية، وأخرى سنية، كما اليمن وبعض دول الخليج
وفي ضل هذا الصراع العربي العربي أنني لا ألوم من أراد الابتعاد من غير القومية العربية بعيدا مع نفسه خوفا من امتداد الصراعات فالعرب هم من ظلموا أنفسهم بوقوعهم بهذا الفخ الذي جعل العالم ينفر
وقد ادرك المتحالفون من الدول الكبري اصحاب المصالح في المنطقة، الدرس ونجاح مخططهم في استخدام المذهب الديني كسلاح فتاك لتدمير دول المنطقة، ولهذا فانهم يلعبون بنفس هذه الورقة ورقة الفتنة الطائفية والمذهبية كأداة من أدوات خلق الصراع السياسى في مناطق عديدة من عالمنا العربي .
مما يؤجج الصراع الطائفي دخول الاجندات الخارجية الاجنبية التى تروج للشعارات الدينية، وتشعل النعرات الطائفية لتجييش المقاتلين اصحاب المذاهب المتباينة لتحقيق أهداف سياسية.
تجري هذه المذابح اليومية تحت شعار الفتن الطائفية في بلادنا العربية اليوم تمهيدا لنوايا ومخطط دولي خبيث لتقسيم وتفتيت دول المنطقة، وعندما تجري عقارب الساعة بسرعة ليحل عام 2018 لنستعيد ذكري مرور مائة عام علي تقسيم العالم العربي وفقا لاتفاقية سايكس بيكو التى قسمت الدول العربية بحدودها الحالية، بينما المشروع الجديد يرمي لتفتيت الدول العربية إلى دويلات على أساس طائفى ومذهبى، في مقابل بقاء الدول العظمى .
ومن أشهر مخططات التقسيم " وثيقة برنارد لويس»" التى أقرها الكونجرس الأمريكى عام 1983، وهو مستشرق بريطانى ومؤرخ مختص فى الدراسات الشرقية الأفريقية، وصاحب مخطط لتفتيت الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة اثنية ومذهبية، من خلال استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.
وفقا لهذه الوثيقة وهذا الطرح فان تنظيم "داعش" يعد صناعة أجنبية، وبداية لتنفيذ مخططات التقسيم، ولعل انتشاره فى العراق وسوريا وليبيا يعد برهانا عمليا علي ذلك، حيث ينفذون ارهابهم بحق كل الاقليات والمذاهب الاسلامية .
طوق نجاه
وامام احكام الارهاب والمذهبية قبضتهما علي معظم دولنا العربية، فلا طوق نجاة من التشرذم والتفتتيت سوي سرعة العمل لخلق حالة من الوعي العام لدي الشعوب العربية بمخاطر المذهبية والغرق في بحورها لما تجره من تشدد ديني يقود للقتل وتدمير الاوطان .
في تقديري اننا في أشد الحاحة الي خلق وعى سياسى وثقافى بين الشباب فى مواجهة فكر الطائفية والارهاب وهذا لن يتحقق بدون تعاون المؤسسات الثقافية والعليمية والدينية في عالمنا العربي بجانب قادة الرأي والمثقفين تبني مشروع ثقافى يتبني سياسات ثقافية تعمل اعادة صياغة العقول، و تطرح رؤى جديدة لمواجهة قوى الرجعية والتطرف .
وفي تصوري ان هذا المشروع الثقافي لابد وان يوفر مناخا ابداعيا لابنائه للنهوض ويعيدهم إلى نموذج الإسلام الحضاريّ الذي استوعب كل الحضارات وتفاعل مع ثقافاتها المتعددة وتعايش مع تعدد افكارها، ثم خلق لنفسه أنموذج حضاريا اسلاميا منفتحا يأخذ ويعطي ويبني وينتصر للعلم والمعرفة والرحمة والانسانية .
أظن ان عالمنا العربي في اشد الحاجة الي استنهاض الاسلام الحضاري الذي حقق عنصرا مهما في حياة شعوبه وهو العدالة الاجتماعية ومن ثم حقق سلاما اجتماعيا وولاءا من ابنائه لمجتمعاتهم لا مكان فيه للخونة او المتأمرين، كما حقق هذا النموذج نهضة علمية كبري تبعتها نهضة للعقول في كل مجالات الفكر والفلسفة والاداب والفنون والعلوم .
ان القضاء علي الفكر المذهبي والمتشدد في عالمنا العربي لابد وان يبدأ من فضاء التعليم والثقافة، وان يستثمر المسلمون في مجال التعليم والثقافة والعودة إلى الاهتمام بالأدب والإنسانيات، ما يضمن عدم انتشار الأفكار المتطرفة، بل ويضمن نشر وانتشار قيم الاسلام الاصيلة من ورحانيات تغذي القلوب والوجدان وتكرس لقيمة الانسان في عقله وروحه ونفعه ورحمته للمجتمع، ونشر قيم
الحرية والتسامح الديني والمواطنة العامّة والتعاون في بناء المصانع والفنون العمارة وفقا لمنهج الاهي عظيم وهو اعمار الارض .