كشفت - حادثة البقعة الأليمة - وفتحت كل مغلق بما لم يخطر في قلب أحد، فمنذ حادثة اربد كان لنا رأي بأن تكون المرحلة بداية " قبل وبعد" فلا مجال للبقاء في وضعية الدفاع؛ فكل المؤشرات والاحداث والدوافع في جميع الاتجاهات تدق نواميس "تقرع وتوقظ" الجميع عبر حادثين في أقل من ثلاثة شهور يؤكدان أن الأعداء كثر ولا يعقل أن يتركوا للفرصة المناسبة لتحقيق أهدافهم الإجرامية.
من هنا وجب تعزيز جهود الأنشطة الاستخباراتية بأذرعها المختلفة ودوائرها المتعددة وألا تبقى محدودة الأدوار في بعض الأحيان حتى ننتقل لمرحلة جديدة أوسع واشمل غير مكتفين "بغفوة" العدو بل نبقى نحن في حال الصحيان واليقظة الدائمة لان المواجهة مفتوحة ومتوقعة وربما تزيد في قادم الأزمان، تبعا لحتمية الصراع وتجارب أخرى سابقة، وهي ما تؤكد ما نذهب إليه.
ومن جهة أخرى ينبغي أن "تحدد" أو يعاد النظر بعلاقة الاستخبارات بوسائل الإعلام والصحافة في مختلف الأشكال والقنوات مع المراجعة السريعة فيها بما يوجب أن تكون المسؤولية الأمنية والواجب الوطني في المقدمة على كل الأولويات، بعيدا عن الترهات والكلمات المنمقة والمجادلات اللفظية والحديث المكرر، والمواد الصحفية المخبأة النوايا "والمكشوفة" لكل ذي عقل بصير، حيث يقتضي العمل الاستخباري المكتومية والسرية العالية، بعيدا عن ضجيج الإعلام مهما كان حجم المنجز، فهذه طبيعة العمل الاستخباري محاطة دائما بالسرية والكتمان وعدم السماح لأي كان بالاقتراب من دوائر الاستخبارات والمرتبات والأدوات والأنشطة وكل متعلقات هذا العمل متجاوزين مدرسة "تنت الأمريكية " و"عمر سليمان" المصرية ، مع ضرورة اسكات هذا المديح الإعلامي والتضخيم للأجهزة الاستخبارية الذي يتسبب أحيانا في لفت الأنظار وفتح عيون العدو المترقب لكل ثغرة او جزئية تؤمن له معابر شريرة وتاريخيا لنا درس قوي في تضخيم المخابرات المصرية في ستينيات القرن الماضي وبعدها بعشرين سنة ما حصل حول قدرات الجيش العراقي وهو ما حدا بالآخرين لإعادة حساباتهم من جديد ...
وأتذكر في هذا المقام كلاما بليغا لضابط كبير يرد به على من يريدون سلوك طريق الإعلام والصحافة لمباركة الانجاز: نعرف قدراتنا وإمكاناتنا ونريدها لنا لا لنسوقها في وسائل الإعلام. وهي حكمة من قبل ضابط كبير عمل عقودا طويلة في العمل العسكري في مختلف الأدوار.
ومع كل ما سبق فإنه يلزم إجراء مراجعة شاملة لأنظمة الحماية والحراسة في كل المواقع في المملكة وبسرعة لا تقبل التأخير على أن تشمل "الإسناد والتعزيز" وردود الأفعال ومواجهة الطوارئ وتحديث تقارير الموقف: العمليات والاستخبارات والإدارة..
قد يكون هذا الطرح يفزع بعضاً من الكتاب وأصحاب الأعمدة وصفحات التواصل الاجتماعي ، تحث ذرائع عديدة ، لكن النهاية لا تستقيم وطبيعة المهام الاستخبارية وضرورات الأمن الوطني فهي مطلب الجميع بلا استثناء مهما كثرت الدعاوى التي تخالف ما نذهب إليه من مثل الأمن الناعم والشراكة مع وسائل الإعلام وغيرها .. فليكن لنا خصوصية متميزة في العمل والإدارة ومواجهة الإحداث لحماية بلادنا وأهلنا في المملكة الأردنية الهاشمية بالشكل الذي نراه مناسبا وللحديث بقية....تتبع!