ما كل البكاءات بواكي ولا كل من شق الجيوب حزانى
عدنان الروسان
22-06-2016 03:30 PM
ليسوا بحاجة الى بواكي و مراثي ، و ما كل البكاءات بواكي و لا كل من شق الجيوب حزانى لقد ذهبوا بهدوء و هم يقومون بواجبهم الوطني ، و بصمت انتقلوا من هنا الى هناك و هم صائمون قائمون مرابطون ، بينما أولادهم ربما كانوا يفطرون على حبات من زيتون عجلون و جرش او يتسحرون على لقيمات معجونة بعرق أبائهم المعطر بنسيم صحراء المفرق او رويشد ، انسلوا من بيننا بعد أن أدوا واجبهم و وقفوا هناك يسهرون كي ينام من في عمان قريروا العين مطمئني الفؤاد ، و قبلوا بالقليل وهم يقومون بأشرف واجب بينما نهب الكثيرون الكثير و هم يقومون بالنطنطة على حبال الوطن ، إن لم يكن على شرايين الوطن.
ليسوا بحاجة لأن نعزف لهم لحن الرجوع الأخير فالشهداء لا يأبهون بمن يعزفون و من يرقصون و ليسوا بحاجة الى مراسم ولا خطب عصماء و لا كتابات صماء ، فهم عند الله الذي لا تضيع عنده مثقال ذرة او دونها ، هم في دار الحق و نحن في دار الباطل التي بات أبطالها متفيهقون و ثرثارون و متشدقون ، و رويبضة على رقاب الناس ممسكون لا يتعب واحدهم حتى يأتي من يليه ليتابع الخلف السلف و لا تأتي رويبضة الا لعنت أختها و فعلت مثلها و باعت و تاجرت و تفيهقت حتى مل العباد من البعاد.
لم يعد المقال مناسبا للمقام ، و بهتت الألوان و زركشاتها التي كانت تضفي بعض العظمة المفتعلة على الذين يتسلقون على رقاب من يقفون في حواري الوطن و عرصاته ذودا عنه من الطيور المستذئبة و كلما استمات العظام في الذود عن غرابيب الوطن السود شرقا و شمالا او في الوقوف على افقه الغربي ، كلما استماتت تلك الطيور التي لا تكل من الذهاب و المجيء تنهش ما تقدر على نهشه بينما أبناء الذي رحلوا ما يزالون يفطرون على حبات الزيتون و يتسحرون على اللقيمات ذاتها ، و بعد أن ينفض سامر السامرين و يعود البكائون و البكاءات الى صواوين ملئى بما لذ وطاب يتحدثون عن الأمر و كأنه واحدة من صفحات الف ليلة و ليلة و ليس واحدة من صفحات الوطن الذي بدأنا نرى انه يتسرب من بين اصابع ايدينا كما يتسرب الماء ، و نحن نقف مشدوهين مستمرين بأكل لحوم بعضنا بعضا و لم نكرهه.
إن حرف نصوص السفر الوطني عن مغازيه ، و العبث بفقه العهد المعمد بالدماء و العرق و جثث الشهداء الذي قضوا و الشهداء الأحياء الذين ينتظرون ، و النكوص عن النظر في عيون اطفال الأردن الذين التي بدأت تفقد بريق العزة الوطنية و براءة الطفولة النقية ، وهم يقفون على كل اشارات الوطن الضوئية يستجدون رغيفا يقيهم مقت الجوع و يقول المتفيهقون انهم ممتهنون للتسول و لا يمتهن التسوب الا من امتهنت كرامته و قد رضينا ان تمتهن كرامة المواطن و خوفنا أن تمته كرامة الوطن كله و المواطن اغلى من الوطن بألف مرة ، فلنقض الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من سفك دم مؤمن ، فكيف اذا سفكت كرامات الناس و عزة نفوسهم و باتوا غرباء في وطنهم ، مهاجرين في بيوتهم بل إن بعض المهاجرين صاروا انصارا و كثير من الأنصار باتوا مهاجرين.
لقد بات لزاما على من لزاما عليه " و قد لا يفعل " أن يجلس و قد كلف و أقسم اغلظ الأيمان على الوفاء و الخدمة و الإخلاص و أن يبتعد عن التزلف السياسي و الرياء النخبوي المعهود وان ينظر في مجموعة القيم الوطنية ، و أن يبحث فيما وصل اليه الناس لأن ما حدث و قد يحدث ليس خطا تكتيكيا ارتكبه أحد بل هو نتاج لفكر ساد على مدى خمسين عاما و أكثر تأصلت من خلاله قيم الفساد و سادت على قيم الفضيلة و استمرأ الكثيرون النفوذ و المال السهل دون قراءة في قاموس الوطن و فقه الإدارة و الحكم ، و بدا و كأن الدنيا تغني عن الآخرة و أن الدنيا دار مقر و ليست دار ممر و اختلط الحوابل بالنوابل و بتنا ننام على اسماء سموها هم و أباؤهم و نصحوا على غيرها حتى ضاعت بوصلتنا و لم نعد نعرف نحن مع من و من مع من أو ضد من ، و صار الجميع يحاربون طواحين الهواء و بات الناس في ضنك و عوز و قهر شديد.
الذين رحلوا بصمت أولئك من أخيار الناس و الذين لا يستشعرون الخطر القادم ليسوا أكفاء و لا يقدرون على أن يكونوا اوتاد البيت و أعمدته ، و " البيت لا يبتنى الا له عمد و لا عماد اذا لم ترسى أوتاد " ، نصبر و ننتظر فما باليد حيلة و ان نقلب وجوهنا في السماء على الله من أجل أطفال رضع و شيوخ ركع و بهائم رتع ان يستر بالحال .