ماذا يساوي الحبر بجانب الدم ، وماذا تساوي الكلمات المنمقة والمقالات المدمجة، أمام عظمة الشهادة في ذلك الفجر العظيم بمنتصف الشهر الكريم حيث امتدت يد الغدر والخسة والجبن مرة اخرى، يدا صفراء مرتجفة لتنال من صمود جنودنا البواسل الذين نذروا أنفسهم وأرواحهم للدفاع عن هذا الثرى مرابطين على المدى ، مؤمنين بالله أولا وبالاردن وطنا وثراه أغلى من التبر.
من جديد نجد أنفسنا نقف وجها لوجه مع الإرهاب الأسود الذي يحاول منذ عقود طويلة أن يمر عبرنا وعبر جيشنا المصطفوي الذي أقسم على العهد والشعار الشريف والسلاح الطهور أن يبقى جيشا عربيا مصطفويا لا يهاب المنايا ..فجنودنا يسقطون شهداء وهم يهتفون بالتكبير وينادون «المنيه ولا الدنيه».
لم يكن العسكر الأردني ، وهو يلبّي نداء الواجب والوفاء للوطن مرابطًا على الثغور، يدافع عن الأردن فقط، بل كان يدافع عن كل الأمة، حيث يسطّر الرجال الصناديد من أبناء قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية ملحمة جديدة بأحرف من نور، يؤكدون فيها أنهم رموز البذل والتضحية والإيثار دون توقف، يقدّمون العطاء السخي في الدفاع عن أمن واستقرار الوطن وخط الصد المنيع، وصمام الأمان، الذي يحمي الوطن ويصون سيادة الدولة، وهم في الوقت نفسه المثل والقدوة، والمرآة التي تعكس جوهر ترابط وتكافل وتضامن أبناء الوطن.
ويشهد التاريخ على أن أعتى المؤامرات والدسائس قد تهاوت وانهارت وسقط أصحابها تحت وقع التلاحم الوطني، حيث كانت أذرع الشعب والجيش والأجهزة الأمنية هي الطولى في تلقين كل خائن أو عميل، الدرس الذي يستحقه خاصة «حطب النار» فمن يقوم بقتل النفس التي حرّم الله ويعتدي على الاردن وأبنائه لا يمكن أن يكون مسلما أو مؤمنا أو يحمل ذرّة من الإيمان حتى وإن تنطّع أو تمسّح تزلفا وتضليلا وبهتانا براية الجهاد، كما أن من يقوم بتفجير نفسه بغية إزهاق أرواح أكبر عدد ممكن من الضحايا الأبرياء لا يمكن له أن يدّعي انتماءه لأمة الإسلام ونهجها القويم الذي ينبذ التطرف والتعصب والعدوان والعنف.
نستذكر شهداءنا، الذين ما انقطعت ذكراهم في أذهاننا، ولا غابت روائح دمائهم العطرة، عن أنفاسنا، هؤلاء الذين قدموا أرواحهم، على طريق التضحية والفداء، لوطنهم وأمتهم، ونحييّ هؤلاء العظماء و نحيي قواتنا المسلحة ورجال الأجهزة الأمنية، القابضة على جمر الدفاع عن وطنها وأمتها، رافعة رايات النصر خفاقة دوما، سياجا للوطن ودرعا متينا له، فالأردنيون تعودوا على عطاء الدم والروح منذ الأزل ، فأضرحة شهدائهم تنتشر على بسيطة الأرض العربية ، يهبّون دوما مدافعين عن المظلومين، ويواجهون الظلم بجسارة الحق ، وامتد عطاؤهم ليصل بقاعا واسعة من الأرض حفاظا على أمن الشعوب، رغم القلّة والضيق والجدب، يهبّ الأردنيون خلف قائدهم، يلبّون نداءه كلما انطلق في الآفاق، للدفاع عن حق مسلوب أو أمن ضائع أو طمأنينة مفقودة، حتى لو كانت في أقاصي الأرض.
سلام على شهداء أمس وهم يعودون محمولين على مناكب الرجال.. سلام عليهم وهم يسجّون، و.. سلام على كل شهدائنا الذين كانت دماؤهم رسالة سلام للعالم أجمع.
سلام عليهم وهم يدافعون بأرواحهم في سبيل أمن العالم.. هذا قدر أردننا ، أن يكون ملاذا لكل باحث عن الأمن والسلام والطمأنينة ، وهذا قدر جيشنا العربي ، أن يكون مدافعا عن حقوق المظلومين ، وأن يمسح رجاله على كل جرح، حتى لو كان صاحبه في أقاصي الأرض ، هكذا أرادهم ملوك بني هاشم وهكذا كانوا.. سلام على النساء الثكالى، والأطفال اليتّم والنساء الأرامل والأباء المكلومين، وهم يستقبلون شهداءهم ، قابضين على جمر الصبر والاحتساب.
وبعد... فلن تخيف متفجراتهم الخبيثة أزيز رصاص جنودنا الطهور .. ولن يمر بإذن الله تعالى عبر صفوفنا ارهابي موتور أو حاقد مأفون.
الدستور