حين يحكم أبو حمدان قبضته على عمان
17-08-2008 03:00 AM
خرج كالمارد ، فلف أكبر استثمار حول خصره ، وطوى أميال من أوراق الأفكار والمخططات ، وجدلها وراء عنقه ، وتأبط أراضي الدولة ، فتفنن في استثمارها ، ليسطع نجمه كمارد في موارد ، وفي بلد لم يعد فيه أي موارد .. سوى مواطن أثداءه تحلب زيت قليّ محروق في مقلاة فلافل .. ونتوءات عظمية ، تستطيع ان تعلق عليها همك وأنت تدخل الى غرفة إعدام الإحساس بإنسانيتك وبأن لك حق في شم رائحة طوابين هذا البلد .
أبو حمدان .. بل الأصح افتتاحه أبا حمدان ..هو حصان السيد الذي لا يـُشق غباره في الميدان .. يحمل (شاكوش ) والده القادم على صهوة ريح الشمال في ثلاثينات نظرية النشوء والارتقاء الاردنية ، معتمرا طربوش الفكر الهندسي العجيب الذي عادل كفة الميزان ..
ثم فجأة وبسرعة الكارثة جاءتنا الاستثمارات من كل صوب وحدب ، وخرج الأهالي أهالي عمان العتيقة في عبدلهم وويبدتهم وجبلعمهم ( جبل عمان الأول ) خرجوا من بيوتهم فما عاد الليل يحتمل غباء أحلامهم ، ليخلوا الدار للزوار فما عادت هذه الارض تحتمل سكانها ، ولأن صوت أهالي عمان العبدلي أجش .. فلا دلع ، ولا غنج ، ولا عرق البستان .. ولا صوت يذيب القلب كصوت مستثمر جاء من هناك .
أبا حمدان رجل فذ لا تشبهه الأشياء ، وهو يشبه الأشياء .. كأن الله خلقه وقدس سره وأطلق على ركام التاريخ قدمه ، فتذكر كل أسماء الدنيا ، إلا (كلية الشهيد فيصل ) أتذكرونها ، فهي لم تعد من تلك الأسماء .. ليبخس سائق سرفيس مرّ من شارع الشرطة ، قبل ان يلتفت الى يمين شارعه الذي أصبح يشبه وجه صاحبنا ، فالألوان كلها غامقة حتى لم يعد فيها ألوان ، ولم يعد الزمان زمان المتنبي.. ، وسيف الدولة الحمداني ما عاد يهتم كثيرا بأبي فراس الحمداني ، فهذا وقت الأخشيدي ممن أدار جلسات الفكر والمنطق في عصر الدولة الحمدانية ، تعود مضاربنا تفتح ذراعيها للا شيء ، بعد أن أضاعت يديها كل شيء ، وقتلت أظافر المضارب الأردنية أبناءها ، حتى لم يعد هناك مهندسون ولا رجال قادرون على إدارة شؤون هذه المضارب ، ليديرها ملتح ٍ أو حليق شارب ، أو متعاقد أو كارهٍ لبلاده اوهارب .
الحكاية لم تبدأ من اغتيال مقهى حمدان .. ولن تنتهي عند الأسطورة أبا حمدان الذي تجاوزت استثماراته خارج البلاد لتصل الى المغرب العربي بالقرب من الأندلس التي أضاعها ابن عباد ، بعدما تبين ان تراب الاردن لا ينبت سوى أفواه وألسنة وسواعد مملة ، لا تعشق التغيير ولا برنامج الأخ الكبير ، بل تموت في الشهادة ، من شاهد على العصر ، أو شاهد في المحاكم ، أو شاهد ما "شفش حاجة" ، أو حاصل على الشهادة ، أو ميت بنعت الشهادة ..
و ما حاجتنا لأشناب تجبر الصبح على البكاء ، وهناك صباح أطلسي يشرق على واحات المغرب ، فعمان المورد طارت ، وصارت (طرفايا المغرب) مستثمرة على وزن مستعمرة ، يشكو منها المغاربة كما شكونا نحن المشارقة ، من لعنة المستثمر الذي زرع زرعه ولم يثمر .
طرفايا مدينة أردنية حمدانية صغيرة ، تختال أمام أوانس الريف المراكشي ، كأجمل حسناء حجرية عارية الجسد ، ناهدة ، كاعبة ، بعيدة مهوى القرط ، ناعسة الطرف ، بضة ، كأنها ليلة محمومة في شتاء بارد .. كيف لا وثمنها ملياري دينار ، استثمرها رجل ابي حمدان على مساحة 2500 دونما مغربيا ،، والمضحك إن الاستثمار الاردني ضاق ذرعا بالاردن ، فراح يسكر على تراب الريف المراكشي .. ونحن ندعو الله في غسق الدجى ان يبعث الينا تائها يحمل كيس نقود ليمر على دكان ابو حمدان ، ليدعم لنا صندوق (الاستسمار ) هكذا كانت السكرتيرة تلفظها .
ثمان سنوات صامتة ، ضاعت بين خطط وتخطيط وخطوط تواقيع لوظائف أبناء المهمين ، وصرف مستحقات للمتعاونين ، وثلة من الكاتبين ، وليس مهما من يكونون ، حتى وأن سرقوا كتب غيرهم ، المغزى أن يمدح المداحون حمدانا وسكة الحامدين التي اقتلعت قلب التاريخ العسكري ،
ولم تنفع آهات العمانيين والعبدليين ، فباتوا بين تهجير أو تحجير ، لينتهي أمرهم مجيرين لحساب شيوخ الدولار .. فتكفيه زيارة لكاتب أو صاحب مطبوعة يرمى اليه بعظمة إعلان أو ثمن مقال يخرج صباح يوم أحد جديد .. حتى صنعنا من الأخشاب أبطال ، فتحوا بسيوف الحق ، قلاع الظلم والجوع والحرمان وحكم الحديد .
في زمن ابو حمدان المهندس الدمث الرفيع الشأن ، لم نعد نملك من أمرنا شيئا ، نحن الاردنيون الغرباء ، لأن تاريخ جيشنا العربي مسكون في جدران بيت الجيش الذي ستهدده جرافات الاستثمار ، لأن مؤسسة ابي حمدان العقارية لم تأبه لمطالبنا بتحويل مبنى قيادة الجيش الى متحف للحياة العسكرية الاردنية .. فالمباني التي ستنهض كأنها الزلزلة ، لا تحب أن تسمع شيئا عن تاريخ الاردن أو ذكريات بطولات أهله أو جيشه ، فتلك المباني لا تسمح أن يصدح في أجواءها إلا أنغام مجموعة الـ top10 أما ، أغاني أولئك البلديين كما غنى توفيق النمري (مرحى لمدرعاتنا) فهي تثير الرعب في قلوب سكان المدينة العبدلية ، فهم بحاجة الى شيء من الرومانسية .. الى عزف منفرد على السكسفون ، وإشعال الشموع ، وتبادل القبل ، بدل تبادل الدموع .
( الموارد ) ليست في الوارد لدى الحكومة التي ترتبط بها قانونيا ، وليس لها سلطة عليها فعليا ، يجب ان تبقى العين مفتوحة جيدا ، وأن يتم الإعلان عن مخرجاتها ومدخلاتها بكل شفافية النايلون ، وان تكون الحكومة صاحبة اليد الطولى فيها ، وتقرر أن مبنى وزارة التربية لن يتم التنازل عنه أو التباحث بشأنه ، فإن ظهره يستند الى مسجد الملك الشهيد ، ويفصل شارع واحد بينهما عن مجلس الأمة ، وقصر العدل ، فهل ستبقى كرة الثلج الماردية تتدحرج من إشارة المخابرات القديمة وحتى وسط البلد عبر العبدلي ؟
أعتقد ان الموارد تحتاج الى مارد جديد ، شريطة أن لا يكون أمردا ، فنحن شعب نحب الشوارب ، حتى وإن لم يقف عليها البعوض ، فهذه مؤسسة تدير أضخم المشاريع وتضع يدها على آلاف الدونمات ، وتحتكم على مليارات ، والرجل قدم الكثير فيها .. فجزاه الله عن جهوده ما يكافئها ويوازي نتائجها ، وآن له أن يستريح من العمل العام بعد عطاء يشهد له بالإنجاز (...)، الذي حملته صفحات الصحف ومجلات رجال الأعمال كوثيقة تعتبر صك غفران في هذا الزمان ، وليقف قليلا عند التصريحات غير المسؤولة المتضاربة .
أخيرا أيها الغيارى النشامى لا يزال مبنى قيادة الجيش في العبدلي يناديكم ، ويقبل أياديكم ، ويستنخيكم ، وينادي غيرة التاريخ فيكم .. حتى لا يهدم ، ويسوى بالارض كغيره ... فأين متحف الحياة العسكرية . أم ان وعودنا دائما كاذبة ، لا تتركوا الفرصة تضيع ، ومن يريد معرفة المزيد فليسأل عطوفة أبو حمدان ، فالحكاية حكاية دولة وأرض وإنسان .. معادلة يصعب فهم تفاصيلها دون أن تفهم كيف نشأت عمان .
Royal430@hotmail.com