ليس الاردن ، الا باب الجنة ، فكارهوه ، لم يقرأ واحد منهم ، تاريخا ، ولا استبصر ، بشأن ما هو مقبل وآت ، وكارهوه فقط ، يبحثون عن سبب لكرهه ، وحسب ، وهم لا يعرفون ان ارضا مقدسة كهذه ، مثل الفضة النقية ، تطرد السواد ، كل عام ، فليس الاردن الا "باب الجنة".
هنا كان رجال صلاح الدين الايوبي ، وهنا صهيل خيل مؤتة ، وصليل سيوف من رحلوا ، يسمعه الكركيون ، في سهل مؤتة ، في موعد المعركة ، وفي الصباحات الوضاءة ، وهنا درب الشهداء ، حين يسيجون الاغوار ، من شماله الى جنوبه ، فهنا كانت خيل المسلمين ، وتكبيراتهم ، التي ما تبددت ، مع الزمن ، وما زال ابوعبيدة عامر بن الجراح ، يكبر بأعلى صوته ، فيرد عليه جعفر بن ابي طالب ، في ذات خط الشهداء ، في الجنوب ، وبينهما رسول "رسول الله" في الطفيلة ، وانفاس الانبياء والصحابة والصالحين ، هنا كانوا وهنا سيبقون ، هنا كان القدر يرسل رسالة قبل مئات السنين ، الى من هم بيننا اليوم ، فيكرهون المكان واهله ، تحت ألف عنوان ، وهم لا يعرفون انهم يكرهون انفسهم ، وشجرة الزيتون الشرقية ، تضيء بنورها ، وزيتها ينير سراجات الاقصى الاسير ، ويسقي العطشى من بغداديين وبصراويين.
ليس الاردن ، الا باب الجنة ، فهنا كانت رقع الشهادة توزع على عشرات الالاف عبر التاريخ ، وهنا ينبلج فجر مقبل ، فجر مقبل لا يكون الا بمن هنا ، لا بغيرهم ، وتلك "الرايات السوداء" و"العمائم" المنتظرة من الشرق ، في فقه النخبة والعوام ، لا تكون ولن تكون ، الا عبر "باب الجنة" وتلك الاقدار حين ترتسم ، لا تكون الا هنا ، فهنا ليس مجرد ارض وصحراء وبضعة اشجار وسكان لا احد يعرف من اين قدموا والى اين يرتحلون ، وسر حفظ المكان واهله ، من البلاءات النازلة على الشرق ، سر عجيب ، سر الحاضر والمستقبل ، حين يكون الاردن حامل الثقل ، ويكون "باب الجنة" هكذا كان ، وهكذا سيكون.
من يكره ، لا خير فيه ، حتى لنفسه ، ومن يتمنى الخراب ، لبيت سقفه يظلل الجميع ، بينما الشمس حارقة ، جاهل وبلا بصيرة ، ومن يظن ان هنا "جهنم" وغير المكان هو الجنة في ارجاء الارض ، يخلط بين رغبته بالمال ، وبين الحاجة التي تدفعه الى انتقاص المكان واهله ، وكأنه بركة لصيد السمك ، وحسب ، هنا لا مكان للكراهية ، فليست ارض للكراهية ، وليست ارض تغدر اهلها ومن فيها ، هنا ارض مقدسه ، عرفها موسى وعيسى ومحمد ، فلم يضلوا الطريق حين قدموا ، بل كانت اقدامهم ، طريقا لمن بعدهم ، هنا المروءة التي يرسمها سر المكان على الوجوه ، هنا ايضا ، الطعنة مردودة عن الظهر ، والرحمة ترفع شر الزلزلة ، والخراب ، حتى يسلم المكان ومن فيه ، لطيبة في القلوب ، ومن اجل جباه طاهرة وبريئة ، وقلوب اطفال مطهرة ، ومن اجل ان يبقى الجبين وضاء ، لاهله ، ثم لكي تبقى سراجات الاقصى مستنيرة بزيت شرقي ، ومن اجل ان لا تبكي ليلى في العراق ، ولا يقال انها "مريضة" والدواء في عمان.
ليس الاردن الا "باب الجنة" ومن يعشقه ، لا يلام ، ومن يكرهه قد لا يلام ، لان هناك من يريد المكان بلا ذاكرة ، وهناك من يريد ان نفهم انه بلد عابر ، وارض صحراوية لااهل لها ، واذا كان الكره عقيدة عند البعض ، فهي عقيدة فاسدة ، فكيف يشرب المرء من بئر ويلوثها بحجارة الكراهية ، وكيف يصعد البعض الطائرة ، وينقلب عدوا ، ويشتم عمان عبر النافذة بعينيه ، باعتباره وطنا ملعونا ، وكيف يحب الاسوياء اوطانهم ، حتى لو كانت فقيرة ، ولا تقدم رغيفا ، في حالات ، بل تسقي الناس الدم ، كما حولنا ، فلا ينقلبون على اوطانهم ، هنا ليس مكان مثل كل الاماكن ، هنا الشمس غافية ، حتى تشرق ذات ميعاد ، غير انها ليست مظلمة ايضا ، فالنور ، ممتد في كل بقعة ومكان.
هنا "باب الجنة" هنا ابي وامي ، هنا الاكف ذات الاسرار ، وهنا السيوف المودعة في غمدها ، وهنا ارواح الشهداء من جعفر الى كايد القرن الماضي ، هنا اهلنا ودمنا ، هنا مكان لا يستحق ان يكون منبوذا ومكروها من بعض اهله ، هنا مكان يحبه الله.
نعم.. هنا مكان يحبه الله.
m.tair@addustour.com.jo
الدستور