هذه عبارة تقال عن الذي يراوح في مكانه معظم سنوات العمر، بحيث لا يبدل الا اساليب البطالة ويعطيها اسماء مُضللّة، فمن عاشوا ليأكلوا فقط ماتوا مبكرا وهم لا يعلمون لأنهم تحولوا الى امعاء تسعى كالثعابين، واصابهم الفراغ الروحي والكسل الذهني بسبات يستمر عبر الفصول الأربعة، وليس الشتاء فقط، ويبدو ان مفهوم العمل سواء تعلّق بالافراد او المجتمعات يستخدم احيانا على نحو مجازي، فالجعجعة لا تنتهي الى طحين وبالتالي الى خُبز، والطبل هو صاحب الصوت الصاخب والأعلى لأنه مليء بالهواء .
والمطلوب من الفرد في مجتمعات عاطلة عن دورها التاريخي وتعيش على طريقة محلك سرْ هو ان يتحول الى تمثال او في احسن الاحوال الى شجرة، لا يمكنه ان يغادر موقعه الا اذا جرّ بحبل، وأفضل توصيف لهذه البطالة هو ما عبّر عنه الاغريق القدماء من خلال اسطورة حملت اسم سيزيف، وهو رجل عاقبته السماء بأن جعلته يحمل صخرة ثقيلة ويصعد بها الجبل ثم يعاود الكرّة على مدار الساعة .
وأذكر ان كاتبا فرنسيا هو بول فاليري سخر من هذه الاسطورة وقال ان رحلة سيزيف اليومية ليست بلا فائدة، فلا بد انه تحول الى رجل رياضي وبرزت عضلاته !
لكن امثال سيزيف ممن حكم عليهم المجتمع لا السماء بالمراوحة لن يحدث لهم ذلك، فهم في كل مرة يعودون بخفيّ حُنين واحيانا حفاة بلا اي أخفاف !
« محلّك سر « تلك هي القاعدة الذهبية لمجتمعات لا تتيح لأفرادها ان يحققوا الذات، لأن رحلتهم القصيرة من المهد الى اللحد محددة مسبقا ما دام هناك من ينوبون عنهم في التفكير والتخيّل وحتى الحُكم !
وقد يتصور البعض ان ما يطرأ على حياته من متغيرات اقتصادية او حتى اجتماعية هو بمثابة الخروج عن قاعدة « محلك سر « لكن الحقيقة عكس ذلك، لأن التغيير الحقيقي للبشر يكون من الداخل وليس من القشرة !!
الدستور