نخشى ان تتحول الانتخابات البرلمانية الى ساحة للتصنيفات السياسية والاجتماعية , وان نتطلع في مرآة الشهور الثلاثة القادمة فنرى صورة مجتمعنا مهشمة لدرجة نتمنى عندها لو ان الانتخابات لم تجر , او لو ان ساعتنا السياسية ظلت واقفة بدون دوران .
لا اكتب ذلك بمنطق التشاؤم , فانا من اتباع مدرسة “ تفاءلوا بالخير تجدوه “ ، لكن لا اخفي انني اشعر بالصدمة مما اسمعه واراه في مشهد ماراثون الاستعداد للانتخابات , خذ مثلا قانون الانتخاب الذي مازال مجهولا بالنسبة لكثير من المواطنين الناخبين , خذ ايضا احجية القائمة على مستوى المحافظة وما يمكن ان تفعله في الالوية التابعة لها , خاصة اذا ازدحمت القوائم ووجد مرشحوا الالوية انهم خرجوا من المولد بلا حمص , خذ ثالثا اعادة تدوير ثنائية العشيرة والصوت الوحد , ( الان قائمة الصوت الواحد ) حيث المزيد من الشروخ داخل العشيرة .
الاخطر من ذلك كله ان “ المال “ الحرام بدا يتحرك في موسم رمضان , وفي غياب “ الضابط “ التشريعي الواضح فان اصحاب الملايين سيكون لهم فرصة ثمينة في انتزاع مقعد نيابي , كما حصل تماما في الانتخابات الماضية , وبالتالي فان “ نواب “ البزنس سيكونون بفعل القائمة محظوظين جدا في هذه الانتخابات .
حين ندقق ايضا في خريطة الانتخابات االبرلمانية القادمة نجد ان معظم القوى السياسية ستشارك فيها , بما فيهم الاخوان المسلمين , كما نجد ان المناخات التي ستجري فيها ستكون “ مشحونة “ سياسيا واجتماعيا واقتصاديا , نجد ثالثا ان المجتمع الذي “ عزف “ بشكل واضح عن الذهاب للصناديق قبل نحو اربع سنوات , وفي عز احتجاجات الشا ع , ما زال يعاني من اصابات بالغة اهمها عدم الثقة بالنواب , مما قد يولد لديه حالة من “ الصمت “ السياسي والعزوف عن الاداء بصوته , نجد رابعا ان الصراع في هذه الانتخابات يمكن ان يتجاوز اللاعبين في الداخل الى “ لاعبين “ من الخارج لهم مصلحة في معرفة اوزانهم السياسية هنا , واعتقد ان هؤلاء بدأوا فعلا في اقتحام انتخاباتنا , ومن الصعب على ما يبدو ضبطهم او منعهم من ذلك .
ليس لدي معلومات دقيقة عن حركة هؤلاء “ اللاعبين “ ولكن في ضوء تجاربنا السابقة لا يمكن ان نطرد فكرتين اساسيتين : اولاهما ان بعض الاحزاب والقوى والشخصيات الساسية لها ارتباطات بالخارج , وبالتالي فان وصولها للبرلمان سيصب بشكل او باخر في المرجعيات التي ترتبط معها بعلاقات ومصالح , لا اتحدث هنا عن “ الاخوان المسلمين “ وعلاقتهم بحماس والمتعاطفين معها هنا , ولكن عن شخصيات لها علاقة بالسلطة الفلسطينية , وعن شخصيات واحزاب مؤيدة للنظام السوري ... الخ , مما قد يفرز تنوعا تحت القبة , لكنة من النوع الذي ينظر الى الخارج اكثر مما ينظر للداخل المحلي , خاصة وان منطقتنا تشهد حالة من التصدع والصراع والمكاسرة , كما ان بلدنا ليس بعيدا عن هذه الحالة , وان كانت ما تزال تحت السطح .
اما الفكرة الثانية فتتعلق بمهمة البرلمان القادم , والاجندات التي يمكن ان تطرح عليه , هنا يمكن ان تتدخل خرائط المرشحين والداعمين لهم في الصراع على الصناديق , لا اتحدث قفط عن القضايا المحلية التي غالبا ما يجري تمريرها , وانما عن قضايا اخرى كبرى تحتاج الى تشكيلة برلمانية غير تقليدية , تعكس اوزان الديموغرافيا اولا , تماما كما حصل في برلمان 89 الذي وافق على معاهدة وادي عربة .
لا اريد ان ادخل في توقعات توزيع المقاعد ( خاصة للاسلامين على اختلاف اصنافهم ولليساريين ولمراكز المحافظات على حساب الالوية التابعة لها ) لكن يمكن ان اشير الى ملاحظتين : الاولى ان الاهم من الانتخابات ونتائجها هو نزاهتها واقناع الناس بالمشاركة فيها , ثم ضمان الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه بحيث لا تتسبب باحداث اي شروخ او اصطدامات فيه , اما الملاحظة الثانية فهي ان الهيئة المستقلة للانتخابات ستكون امام امتحان صعب , صحيح ان لها تجربة في ادارة الانتخابات البرلمانية السابقة , لكن نجاحها هذه المرة سيحتاج الى اداء افضل , وخطاب اكثر توازنا , وادارة اقوى , ليس لان هذه الانتخابات تختلف عن سابقتها على صعيد المشاركة الواسعة بين القوى السياسية والاجتماعية , وانما لانها ايضا ستفتح الباب امام دخول قوى اخرى لها مصلحة ايضا في ايصال المرشحين المتعاطفين معها الى قبة البرلمان .
الدستور