لكي لا نفاجأ بحواضن للمتطرفين في مجتمعنا .. !!
حسين الرواشدة
20-06-2016 12:31 AM
هل لدينا مقاربة موضوعية وجدية لمواجهة التطرف اولا ثم الارهاب ثانيا , واذا كانت الاجابة نعم , فما هي المرتكزات الي يمكن ان تعتمدها لتمكين هذه المقاربة وانجاحها , وهل تمثل الاستراتيجية التي “ سربتها “ الحكومة مؤخرا نموذجا لهذه المقاربة ؟
حين ندقق في مثل هذه الاسئلة نجد ان افضل ما يمكن ان نستد اليه لفهم المقاربة الاردنية هي الخطابات الملكية التي تطرقت الى مسألتي التطرف والارهاب في سياقهما الداخلي والدولي معا , واعتقد ان الحكومات لم يسعفها الخط في “ ترجمة “ هذه الافكار الى خطط وبرامج , او استراتيجية ان شئت الدقة , كما ان هذه الافكار الملكية لم تحظ للاسف بما تستحقه من دراسات ونقاشات عامة , الامر الذي كرس لدينا حالة من الارتباك تجاه اهم خطر يواجهنا على المدى القريب والبعيد ايضا .
على امتداد السنوات الماضية نجح الاردن في اطلاق عدة مبادرات لمواجهة التطرف والارهاب , بدءا من رسالة عمان الى كلمة سواء الى المؤتمرات والندوات التي دارت حول الحوار بين ابناء الملة الواحدة او بين المسلمين والمسيحين , كما نجحنا في حماية حدودنا امنيا وعسكريا من خطر تمدد الارهاب للداخل , فيما بقيت المقاربة ناقصة من زاويتين : الاولى فكرية وتتعلق بتحصين مجتمعنا - لاسيما الشباب - من التطرف , ومجالات الفكر هنا تتضمن حقول الدين والاعلام والتعليم والتربية والابداع وغيرها , ونحن ما نزال للاسف نتعامل معها بشكل سطحي ولم نجرؤ بعد على اقتحامها , اما الزاوية الثانية فهي سياسية بامتياز , حيث اننا لا نزال نراوح داخل صندوق من السياسات والمقررات القديمة , ونتعامل مع التطرف بمعزل عن السياسة , وكانها بريئة تماما من تهمة المساهمة في انتاج هذا “ العفريت “ او اخراجه من قمقمه على الاقل .
من هذين الزاويتين يمكن ان ننطلق من اجل تصميم مقاربة لمواجهة التطرف على الجبهة الداخلية , وفق مرتكزات تساعدنا على انضاجها وانجاحها , مثل طبيعة نظام الحكم المعتدل , وطبيعة المزاج الشعبي الذي يتسم بالاعتدال الديني والاجتماعي ، وعلاقاتنا مع العالم ، وحرفية وكفاءة اجهزتنا ومؤسساتنا الامنية ، مقابل اوراق القوة هذه لدينا “خواصر” ضعف تتمثل في فوضى المجالات الدينية والفكرية التي لم نستطع ضبطها ، وفي اعتبار التنظيمات الارهابية بلدنا هدفا مباشرا لها بسبب تحالفاته ضدها ، وفي ملف اللجوء الذي يمكن ان يتحول الى “قنبلة” جاهزة للانفجار في اية لحظة، ناهيك عن الانسدادات السياسية وضبابية مستقبل الاصلاح، الاوضاع الاقتصادية الصعبة ،وحالة تراجع الثقة بين الدولة والمجتمع.ثم اختزال مفهوم الامن في بعده “الفني” التي تقوم به الاجهزة الامنية المختصة بدل مفهومه الشامل التي يتعلق بالسياسة والثقافة والاقتصاد...
تحتاج اية مقاربة الى الاجابة بشكل دقيق وعلمي على سؤال التطرف من حيث معرفة اسبابه وتشخيص “التربة” التي خروج منها وصولاً الى معرف مناطق انتشاره وعدد المتورطين فيه والمتعاطفين معه، ومن اجل ذلك لابدّ ان تتوافر لدينا المعلومات والدراسات المتعلقة بالظاهرة، لأن الاستراتيجيات لا تبنى على الانطباعات والرغبات بل على الوقائع والدراسات والامكانيات، كما ان الاستراتيجيات ليست فقط عملية توزيع ادوار ومهمات، وانما تحتاج الى قواعد تؤسس “للتغير” في قضايا كبرى ( اصلاح ديني وتعليمي وسياسي واقتصادي) لا لتزيين الواقع فقط.
ثمة مفارقتان هنا بحاجة الى بحث ، احداهما ان الاردن استطاع ان يصمد في وجه الارهاب الذي تمثله داعش تحديدا رغم انه كان وما يزال هدفا من اهدافها ، واالمفارقة الاخرى ان الاردن يعد من البلدان المنتجة والمصدرة للمتطرفين ( لدينا نحو 10 الاف من السلفية الجهادية وربما اكثر التحق منهم نحو 2500 للقتال مع داعش والنصرة) كما ان بعض منظري هذا التيار موجودون بيننا ، فيما (وهنا وجه المفارقة)يرفض مجتمعنا حتى الان وجود حواضن اجتماعية للتطرف داخله ، السؤال هنا : كيف نضمن استمرار صمودنا في وجه الارهاب الذي يتمدد من حولنا ، ثم الا نخشى ان نفاجأ بحواضن او ملاذات آمنة للمتطرفين في مجتمعنا ..؟
لا بد لاي مقاربة اردنية ان تجيب على مثل هذه المخاوف والاحتمالات ، كما لا بد عند وضعها من مراعاة مسألتين: احداهما ان تكون نتيجة توافق عام وبمشاركة كافة الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، وان يسهم فيها خبراء يمثلون الحقول المتعددة المتعلقة بالظاهرة، ، اما المسألة الاخرى فتتعلق بضرورة وجود الارادة السياسية لاعطائها المشروعية اللازمة والامكانيات البشرية والمادية لتنفيذها، والمضامين والوسائل اللازمة لاقناع الجمهور بها، سواءً اكان هذا الجمهور من “المتورطين” في التطرف او المعجبين به او الذين لديهم قابليته لانتقال عدواه اليهم، او حتى المعتدلين الذين يجب ان ترسخ فكرة الاعتدال لديهم.
الدستور