اليسار العربي حالة هلامية وتشبيك انتهازي
اسعد العزوني
18-06-2016 02:10 PM
قرأنا ونحن في بدايات حياتنا السياسية أن الفكر اليساري ، هو حالة ثورية بامتياز ، وأنه الحل الأنجع لمشاكلنا في الوطن العربي ، ولكن هذه الترهات سرعان ما إنكشف زيفها بعد الممارسة والإختلاط ورصد الحالات للدراسة والتوثيق ، وتأكد لنا أن اليسار العربي على وجه الخصوص ، عبارة عن حالة هلامية بشعة وتشبيك إنتهازي قذر بامتياز ، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان معقل الشيوعة واليسار بشكل عام .
وحتى لا تفهم الأمور على غير حقيقتها ، فقد كان المسؤولون الشيوعيون السوفييت ، يضيقون ذرعا بمسلكيات أتباعهم في العالم الثالث على وجه الخصوص وخاصة الشيوعيون العرب ، الذين كانوا يحملون "الشمسيات " في بلدانهم المتصحرة عندما يسمعون أن الأمطار تهطل في موسكو ، دليل على التبعية العمياء لموسكو الشيوعية التي تخلت لاحقا عن شيوعيتها ، لكن اليسار العربي ما يزال يدعي أنه شيوعي ماركسي لينيني ، وتحضرني هنا مقولة حمقاء لشيوعي عربي قال للمحقق بعد ان صفعه على وجهه ، أن رنة تلك الصفعة دوّت في موسكو!!!
بعد انهيار الإتحاد السوفييتي ، وتخلي الشيوعيين الحقيقيين عن شيوعيتهم ، ما يزال هناك من اليسار العربي من يؤمن بالشيوعية ، لكنه لا يطبقها على أرض الواقع ، واستبدلوا "الشمسية" بالقبعة الأمريكية و"البيرجر" الأمريكي ، ورتبوا أوتارهم على عزف العم سام ، وأصبحوا يعزفون على الوتر الأمريكي ، ويلهثون وراء "اليو إس إيد" للحصول على بعض الدعم الأمريكي ، وشهدنا انشقاقات وشروخا عميقة في الأحزاب العربية اليسارية ، بفعل هذا الدعم .
تحضرني في هذه اللحظة حالة أردنية بامتياز ، برهانا على ما نقول وهي أن مؤسس الشيوعية في الأردن النواسي الطبيب الراحل د. يعقوب زيادين ، الذي مارس الشيوعية فكرا إنسانيا بامتياز وقضى غالبية عمره في السجون ، ما أهله للفوز في إنتخابات البرلمان الأردني في القدس عام 1956 ، وأصبح نائبا عن القدس ، علما أنه من أبناء قرية السماكية من أعمال الكرك ، لكنه وبعد التحول الكبير بعد إنهيار الشيوعية ، وجد نفسه الشيوعي الوحيد في حزبه ، بعد أن تشظى الحزب وقاده طلاب الدعم الأمريكي ، والتشبيك مع السلطة للحصول على مكاسب ، ناسين أو متناسين طبيعة فكرهم اليساري وعدائهم للإمبريالية ومن سار في فلكها .
اليسار العربي عموما في هذه المرحلة أصبح برسم السلطة وتحت إمرة المال القذر بغض النظر عن مصدره ومنبعه ، وقد إتسموا بالإنتهازية المكشوفة ، وإستغلوا غضب السلطات العربية على جماعة الإخوان المسلمين ، كما أن السلطات العربية هي الأخرى مارست إنتهازية مكشوفة ووظفت كل أعداء الإخوان المسلمين معها ، حتى أن هناك من يتغاضى عن حزب التحرير الإسلامي الذي كان محظورا أصلا ، وذلك نكاية بالإخوان المسلمين ، وبطبيعة الحال فإن اليساريين العرب الإنتهازيين وجدوا ذلك فرصة ذهبية للإنتقام من الإخوان المسلمين ، الذين كانوا في غالبية الساحات متحالفين مع الأنظمة ، ويشاركون في قمع اليساريين والقوميين المعارضين ، وجاء ذلك من منطلق عدو عدوي صديقي ، ولا بد من التذكير بالقمع الرسمي للشيوعيين واليساريين العرب ، وكلنا يذكر قانون المكارثية الأمريكي الذي جرى تعميمه على السلطات العربية ، ويعمل على مقاومة الشيوعية واليسار.
ليس تجنيا على أحد ، لكن هذا هو واقع الحال الذي نعيش ، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة : كيف ليساري ملتزم بفكره اليساري أن يقبل دعوة السلطة على الإرتماء في حضنها ، وتوفر له كل المكتسبات من خلال المال القذر والتزوير في الانتخابات لضمان النجاح ، وكيف ليساري ملتزم أن يتحالف مع يميني يمتلك مالا جاءه من مصادر مشبوهة ؟ وأكثر ما يغيظني أن يتم تعيين يساري في منصب وزاري ، وما يغيظ أكثر أن هذا اليساري الذي كان متزمتا في نظرته للسلطات يتحول إلى ملكي أكثر من الملك، ويصبح كنسيا أكثر من الكنيسة.
لست معنيا بكيل الإتهامات لأحد ، بل بعرض حالة للنقاش ليس إلا .