في تساؤلاتهم .. جانبوا الصواب
17-06-2016 03:28 AM
لست مع الصحفيين والكتاب الذين ألقوا باللوم على المؤسسات العامة إثر استشهاد ثلة شريفة من رجال المخابرات على يد داعشي «خارجي» الأسبوع الماضي . لقد تساءلوا بصوت عال ربما في محاولة منهم لفهم ما جرى : اين المراكز الشبابية، واين فرص العمل، وأين المدرسة ؟؟ واعتبروا ان هذه المؤسسات لا توجد في مجتمعنا، لأنها لو وجدت، وقامت بعملها الصحيح، لردعت هذا «الخارجي» عن ارتكاب جريمته البشعة، التي فيها تنكر لوطن وشعب يسعى لتوفير جو آمن لأبنائه في محيط عاصف؟؟ وفي تساؤلاتهم هذه جانبوا الصواب ..لماذا؟
جانبوا الصواب لأنهم انجروا وراء عادة ممجوجة بالنسبة لي، تتمثل بالقاء اللوم على مشجب المؤسسات العامة، وهي نوع من الاسقاط النفسي، يمارسونه كلما دق الكوز بالجرة ، وينسون قوانين الحياة والعلم التي تقول شيئا آخر. هذه القوانين تقول ان عملية (التنشئة الاجتماعية) -التي تعني في ابسط الأحوال تعلم الالتزام بقيم المجتمع وأخلاقياته- تقوم على اربع مكونات تسهم في بناء شخصية المرء، وهي: الأسرة والمدرسة والرفاق ووسائل الإعلام. وبقناعتي ان الركيزة الأساسية في هذه المكونات هي الأسرة : اذ تقوم التربية الأسرية بالدور الأساس في زرع بذور الشخصية خلال السنوات الخمس او الست الأولى في الحياة. فالطفل الذي ينشأ في ظلال أسرة محبة حانية تحترم الآخرغير الطفل الذي ينشأ في ظلال الشارع ويتشرب قيمه بعيدا عن تعاليم الأسرة المترابطة. نعرف كلنا عن فئات في مجتمعنا لا تربي أطفالها، وتتركهم يربون أنفسهم، ويرون في الآخر عدوا، لأسباب عدة منها زيادة افراد الأسرة بمواليد لا تسمح للأم ان تقوم بواجب الأمومة، ولا للأب الذي يغيب طيلة النهار عن منزله لاستغراقه بالعمل او بالبحث عن لقمة العيش في ظروف تتزايد صعوبتها يوما بعد يوم.
العامل الثاني في تنشئة الفرد تنشئة سليمة هو المدرسة:التربية المدرسية مهمة في صقل شخصية الفرد وتعليمه ان يصبح انسانا مختصا في مجتمع تتزايد تعقيدات الحياة والمنافسة فيه. ومعروف ان كثيرين لا تصقل قدراتهم مدارسنا لأسباب مطروحة للنقاش حاليا، مثل الترفيع التلقائي، وعدم توفر الأساتذة المختصين، وسوء وضع المدارس، وغلاء رسوم المدارس الخاصة التي تقدم تعليما نوعيا.
العامل الثالث في التنشئة الإجتماعية هو مجتمع الرفاق الذين يصاحبهم الطفل ويختلط بهم. وهؤلاء الرفاق لهم دور مهم في التأثير على زملائهم وأصدقائهم وشللهم، فتراهم يتعلمون من بعضهم البعض النشاطات الإيجابية (كممارسة الرياضة او استعارة الكتب ومطالعتها )، ومنهم من يركز في حياته على نشاطات سلبية (مثل التدخين والادمان والسرقة والهمالة والحقد على اسرته التي لم توفر له الرعاية الكريمة، والآخر الذي يراه من طينة مختلفة).
ورابعا، هناك وسائل الاعلام التي تقدم أفكارا ونماذج تؤثر على المرء وتفكيره ومن ثم سلوكه. وحين ننظر حولنا نجد ان معظم ما تقدمه وسائل اعلامنا تلقيني مكرر وفنيا هابط المستوى والذوق. الإفلام تركز في أغلبها على العنف والجريمة والمشاكل الأسرية والانفعالية والمؤدلجة والسخرية من الواقع وعدم احترام الأنظمة. وردا على هذا الوضع، ينصرف الشباب للاغتراف من شبكة الانترنت عبر هواتفهم الذكية ما يزيد من اغترابهم- وذلك كله على حساب الهوية القومية والاجتماعية .
مكونات الشخصية الأربع هذه تطلق انسانا سويا منتجا مبدعا مفكرا يعرف ان عليه واجبات وحقوق، او انسانا يسلك الدرب الآخر فيصير «خارجيا» هدفه تدمير نفسه وتدمير الآخرين معه. لكن الأسرة هي الأساس.
لهذه الأسباب ما كنت مؤيدا لأولئك الذين علقوا على مشجب المؤسسات العامة أسباب الحادث الإرهابي لأنهم أهملوا في تحليلهم دورهم هم: اي دور الأسرة – وهو الركيزة الأساسية في عملية التنشئة الاجتماعية.
الانسان السوي الذي ينشأ على قيم الخير والمحبة والعمل والانتماء ، يختلف عن انسان غير منتم لا يعرف هذه القيم ولم ينشأ عليها.