الكلية الملكية للإدارة الحكومية (نظرة مستقبلية)
16-06-2016 02:54 PM
الدكتور رضا البطوش – الجامعة الأردنية
تواجه المملكة في هذه المرحلة جملة من التحديات ترتبط بشكل مباشر بالمتغيرات التي طرأت على البيئه الإستراتيجية والتي تركت بدورها أثراً واضحاً في منظومة الإدارة العامة للدولة، ومدى جاهزيتها لمواجهة تحديات وإفرازات هذه البيئة وإنعكاسات ذلك على أمننا الوطني.
وانسجاماً مع الجهود الإصلاحية التي يقودها صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، حفظه الله، فإنه لا بد من بناء قدرات تكيّف إستراتجي يكون محورها الأساس تطوير العنصر البشري الأردني في مؤسسات الدولة كافةً، الأمر يستدعي إجراء مراجعة شاملة لتطوير القطاع العام ضمن منهج شمولي قادر على تأهيل وفرز قيادات كفؤة في مؤسسات الدولة وعلى مختلف المستويات، وأن يستند هذا المنهج إلى نظام تقييم صارم للموظف العام، يتصل مباشرة بأنظمة التوظيف والتأهيل والتقييم والترفيع وإنهاء الخدمة وأن يخدم أغراضها، وعليه فإن الضرورة الوطنية تتطلب إنشاء صرح وطني علمي ريادي، يؤسس للإستثمار الأمثل في الموارد البشرية على المستوى الوطني وتحــت اسم الكلية الملكية للإدارة الحكوميــــــة، بحيث يتبع هذا الصرح للجامعــــــة الأردنية، لما تتمتع به الجامعة الأم من مزايا لصالح هذه الضرورة وبما ينعكس إيجاباً على أمننا الوطني أو ان يتبع هذا الصرح لوزارة تطوير القطاع العام على ان يكون مستقلاً إدارياً واكاديمياً.
فالرؤية هي أن تكون هذه الكلية متميزة محلياً وإقليمياً وعالمياً في بناء القدرات الوطنية وإعداد قادة التغيير ورواد التطوير في مؤسسات الدولة، وبما يحقق القدرة على التكيّف الإستراتيجي لمواجهة تحديات البيئة الإستراتيجية بكفاءة وفاعلية. وأن تركز رسالتها على الإلتزام بانتاج المعرفة ونشر أفضل الممارسات العلمية ذات الصلة وتدريب صنّاع السياسات ومتخذي القرارات في القطاع العام والمنظمات غير الربحية والمنظمات الخاصة التي تتفاعل مع الأجهزة الحكومية، ولتحقيق هذه الرسالة فعلى هذه الكلية أن تكرس جهودها في تصميم وتنفيذ برامج أكاديمية وتدريبية في إدارة المنظمات الحكومية والسياسات العامة بأعلى المعايير الأكاديمية والتكنولوجية التي تتوافق والمعايير الدولية لتميّز الأداء، وإجراء الدراسات والبحوث التطبيقية في مجالات الإستراتيجيات الحكومية والسياسات العامة ذات العلاقة، وتعميم ونشر الممارسات الإدارية الفضلى وقصص النجاح في تطبيق نماذج التميّز الإداري بين المؤسسات العامة بالإعتماد على نظام مؤسسي يضمن جودة مخرجات هذه البرامج والخدمات، وتقديم الخدمات الإستشارية بمجالات سياسات وأنظمة إدارة وتنمية الموارد البشرية ومفاهيم الحوكمة وممارسات الإدارة الرشيدة.
الأهمية والمبررات
تبرز الأهمية والمبررات من إنشاء هذا الصرح العلمي الريادي من خلال النقاط التالية:
1) العمل كأداة إصلاحية تختص بالإصلاح الإداري كمحور مؤثر في محاور الإصلاح الأخرى (السياسية والإقتصادية والإجتماعية)، وإنفاذ البرامج وخطط التطوير الإداري التي تبنتها الدولة في الأجندة الوطنية والتي تدعو إلى الإصلاح الإداري وإعادة الهيكلة في كافة أجهزتها ومؤسساتها وصولاً إلى مفهوم الحكومة الذكية (Intelligent Government) وترسيخ مفاهيم الحوكمة التي تتطلب ضرورة إعداد الكوادر البشرية لمثل هذه التوجهات.
2)تطوير الأداء في القطاع العام متطلب حيوي لتحسين البيئة الاستثمارية الأردنية من خلال إيجاد كوادر وسياسات وإجراءات عمل ملائمة من حيث تهيئة موظفي القطاع العام للتعامل مع مناخ الإستثمار الحر وإعادة النظر بالقوانين الناظمة للبيئة الإستثمارية الوطنية على إطلاقها وإعادة صياغة التفكير الإستثماري الرسمي بما يضمن إنجاح هذا الإجراء.
3)بعث الحياة المتجددة في المؤسسات العامة وتعزيز المشاركة والتنافس على الإنجاز وزيادة مستوى الرضا الوظيفي والإنتماء المؤسسي والإحساس بالمسؤولية المجتمعية والوطنية، وتخليص المجتمع من الأمراض المجتمعية الضارة وفي مقدمتها الواسطة والمحسوبية ليحل مكانها تدريجياً الإيمان بمبادئ الإدارة الرشيدة.
4)تطوير البرامج التدريبية المتخصصة لتأهيل القيادات الإدارية في القطاع العام بمتطلبات العمل العام، إضافة إلى تقييم هذه البرامج وقياس اثرها على أداء الموظف العام.
5)ضماناً لتعزيز نهضة الأردن الحديث ورفعته، يقع على عاتق هذه الكلية الوطنية النهضوية المقترحة أن تستوعب كافة متغيرات المرحلة بجوانبها المختلفة، وأن تمد مؤسسات الدولة بالنصح والمشورة العلميتين، والتأسيس لمرحلة قادمة تقوم على مبدأ اللامركزية، وصولاً بالدولة الأردنية إلى مفاهيم العصرنة والحداثة، فالتنمية على إطلاقها جهد وطني عام يجب أن تشارك فيه جميع المؤسسات الوطنية وفي طليعتها مراكز البحث ومعاهد العلم.
6)انطلاقاً من الإيمان بأن الجامعة هي عقل الدولة وهي رائدة التغيير والتطوير في المجتمع وهي مصدر تزويده بالنخب العلمية والقيادية، فانه لا بد من استثمار الخبرات الأكاديمية والعملية المتوفرة في الجامعات الأردنية باعتبارها بيوتاً للمعرفة والخبرة في هذا المجال للاستفادة منها في التأهيل والتدريب وإجراء الدراسات وتقديم الاستشارات ذات العلاقة في مواجهة قضايا القطاع العام والتحديات المعاصرة.
الوسائل والآليات
إنشاء كلية متخصصة بتطوير القدرات القيادية والإدارية للعاملين في القطاع العام ويستفيد منها القطاع الخاص، تعنى بمستويات القيادات الإدارية الثلاث: الإدارة العليا "الإدارة الإستراتيجية"، والإدارة الوسطى "الإدارة التنفيذية"، والإدارة الدنيا "الإدارة التشغيلية".
طرح برامج أكاديمية في الدرجة الجامعية الأولى والدراسات العليا "الماجستير والدكتوراة" تركز في موادها على إدارة المنظمات الحكومية ورسم السياسات العامة والمالية العامة وتطويرالإستراتيجيات وترسيخ مفاهيم الأمن الوطني من حيث الإستراتيجيات والسياسات وإدارة الأزمات والتوظيف الأمثل لعناصر القوة في الدولة على المستوى الوطني وتوظيف تكنولوجيا المعلومات في إدارة الدولة، ومفاهيم الإتصال والتعاون والتنسيق التي تسهم في دمج جهود مؤسسات الدولة لتحقيق الأهداف الوطنية.
تقديم التدريب المستمر التأسيسي والمتوسط والمتقدم في المجال التخصصي والعام للمستويات القيادية الثلاث في المؤسسات العامة ويستفيد منها القطاع الخاص من خلال طرح الدورات في مجالات التأهيل العام والتخصصي، بحيث يكون من أنجز المراحل جميعها من تدريب وتعليم مرشحاً منافساً على المواقع القيادية العليا في الجهاز المدني الأردني وخصوصاً منصب الأمين العام والمدير العام أو من في سويتهم حسب القوانين والأنظمة النافذة.
تركّز برامج التدريب والتأهيل المهني المتقدم الهادف على تطوير المهارات القيادية والإدارية والإشرافية والمهارات الذاتية وتطوير أدوات وأساليب الإدارة الفعالة بشكل متدرج يبدأ من التدريب المبتدئ أو التأسيسي للموظفين الجدد انتقالاً إلى التدريب المتوسط للمستهدفين في شغل وظائف الإدارة الوسطى ثم التدريب المتقدم للمستهدفين لشغل وظائف في الإدارة العليا.
تقديم خدمات التدريب الإستشاري والموجه لتطوير أنظمة وسياسات وبرامج وأدوات إدارة وتطوير الموارد البشرية في القطاع العام ضمن محاور مثل الاختيار والتعيين، التدريب والتطوير، تقييم الأداء، الترقية، الإحلال الوظيفي، التحفيز، وتطوير سياسات ومعايير إجراءات العمل.
تحسين قدرات المؤسسات العامة في مجالات التخطيط والتوجية واتخاذ القرارات ورسم السياسات وصياغة الإستراتيجيات وتسخير التكنولوجيا الحديثة وتوظيف عناصر القوة في الدولة في مواجهة الأزمات وتطبيق مفاهيم الحوكمة وممارسات الإدارة الرشيدة بما يضمن تحسين جودة الخدمات الحكومية ومستوى رضا المواطن"متلقي الخدمة" عنها.
إجراء مراجعة شاملة لتطوير القطاع العام ضمن منهج شمولي قادر على فرز قيادات كفؤة في مؤسسات الدولة وعلى مختلف المستويات، وأن يستند هذا المنهج إلى نظام تقييم صارم للموظف العام، وأن يتصل هذا النظام مباشرة بأنظمة التوظيف والتأهيل والتقييم والترفيع وإنهاء الخدمة وأن يخدم أغراضها.
ولتوفير سبل النجاح لهذا المقترح فلا بد من إجراء التعديلات والتغييرات الضرورية على التشريعات والسياسات الإدارية وسياسات الموارد البشرية لتصبح متلائمة مع رؤية وأهداف الكلية ومن خلال نهج متدرج في التغيير الأمر الذي سيجعل:
1) اجتياز المسار التدريبي والبرنامج الأكاديمي متطلباً قانونياً إلزامياً لمن يريد أن يقدم نفسه منافساً على مناصب الإدارة العليا في القطاع العام.
2) قرار الإختيار والتعيين مستنداً إلى معايير محددة وواضحة وقابلة للقياس بحيث تكون الفرصة الأكبر لمن يحمل "مؤشر الكفاءة" التراكمي الأفضل الذي يستند إلى معايير الكفاءة القيادية والإدارية والتحصيل التدريبي والأكاديمي، ولمن تتوفر فيه الشروط المهنية والشخصية التي تتطلبها الوظيفة العليا.
وحتى تحقق الكلية أهدافها المرجوة بعيداً عن إشكاليات التعليم العالي الحالية ومعاضله المتجذرة فإنه لا بد من:
1) أن يكون للكلية مجلس أمناءٍ مستقل، خارج أطر التشريعات الناظمة لمؤسسة التعليم العالي بشكلها الحالي الذي نعرفه، يرأسه دولة رئيس الوزراء وأعضاءه من الذوات من هم في مواقع المسؤولية الحكومية ذات العلاقة (عضوية المنصب) وأصحاب الخبرات الواسعة في الإدارة العامة والعمل الحكومي وتطوير الموارد البشرية والأمن الوطني بمفهومه الشامل ومن ذوي المؤهلات الأكاديمية العالية.
2) وباعتبار أن كفاءة وفاعلية أجهزة القطاع العام متطلب مهم جداً في منظومة أمننا الوطني بمفهومه الشامل ولإيجاد التوافق بين مخرجات هذه الكلية ومتطلبات الأمن الوطني، فإنه لا بد من مواصفات خاصة بمن يديرها من حيث مؤهلات القيادة والإدارة والخبرات الواسعة في مجالات الأمن الوطني بمفهومه الشامل والسياسات والإستراتيجيات المتعلقة به والتوظيف الأمثل لعناصر القوة الوطنية.