بين جوهر الزكاة ومظاهر طرود الخير وموائد الرحمن
بلال حسن التل
15-06-2016 11:04 AM
يقودنا الحديث الذي بدأناه في المقال السابق عن الفرق بين جوهر العبادة ومظهرها، وكيف أن الكثيرين منا توقفوا عند مظاهر العبادات دون الغوص في جوهرها، إلى الحديث عن عبادة أخرى لم تدرك الغالبية الساحقة منا كنهها، أعني بها الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، والزكاة عند بعض العلماء والفقهاء عبادة، وهي عند بعضهم الآخر عبادة تدخل في باب المعاملات، بينما اعتبرها فريق ثالث عبادة تدخل في النظام الاجتماعي والمالي في الإسلام، وهي في حقيقة الأمر ذلك كله،فهي عبادة ونظام مالي واجتماعي وأسلوب معاملات.وهذه حقيقة من المهم أن ندركها، خاصة في زمننا هذا، وفي ظل أزمتنا الاقتصادية الخانقة، وفي ظل تعاظم التفسخ الذي تشهده مجتمعاتنا، حيث يمكن أن تلعب الزكاة دوراً مهما ومركزيا في مواجهتنا لأزماتنا الاقتصادية والاجتماعية إن نحن فهمنا جوهر الزكاة ولم نتوقف عند مظهرها.
رغم أن الزكاة عبادة يجوز أن يمارسها المسلم على مدار العام غير أنه صار من المألوف عند معظم الناس ربطها برمضان، الذي صار عندهم شهر صوم وصلاة وزكاة وصدقة،والزكاة كما هو معلوم أيضا انواع، وهي ليست كلها مرتبطه برمضان، باستثناء زكاة الفطر التي يجب أن يخرجها المسلم قبل صلاة العيد تزكية لنفسه ولصيامه، أما سائر أنواع الزكاة فليست مرتبطه حكما برمضان، وأن كان العرف المحمود عند الكثيرين من الناس قد ربطها بالشهر الفضيل، تماما مثلما هي الصدقات التي تجوز في سائر أيام السنة، لكنها في رمضان أبرك وأكرم،وهنا نحب أن ننبه إلى خطأ يقع فيه الكثيرون منا،ويتمثل في خلطهم بين الصدقة والزكاة، وهما أمران مختلفان حكما وأحكاماً، فالزكاة واجبة على المسلم وفق أحكامها المبينة في الكتاب والسنة، ولا يجوز لمسلم أن ينفقها في غير أبوابها المحددة، كما لا يجوز لمسلم أن يمنعها أو يمتنع عن أدائها،لذلك حارب أبا بكر الصديق المرتدين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة على وجه الخصوص، باعتبارها الحق المعلوم في أموال الأغنياء للفقراء والمساكين،بل لعل مما يميز الزكاة عن سائر العبادات أن الدولة الإسلامية كانت تقوم على تحصيل الزكاة وتقاتل من يمنعها بخلاف كل العبادات. والزكاة كحق مفروض لا تحتمل أن يصحبها «من أو أذى» ولا يجوز أن يشعر المزكي أنه يدفع شيئا من فضله،إنما هو يعيد الحق لأصحابه، في حين أن الصدقة هي عمل تطوعي يقوم به المتصدق من تلقاء نفسه، ولا يسأل أو يحاسب أن لم يفعل ذلك، بينما يؤثم بل يقاتل أن امتنع عن دفع الزكاة. فرق جوهري آخر بين الزكاة والصدقة،وهو أن شرط الزكاة أنها تُعطى لمستحقها حق التملك، ومن ثم حق التصرف بها، من هنا امتنع على دافع الزكاة أن يدفعها طعاماً أو لباساً أو أثاثاً، فالزكاة إما أن تدفع مالاً، أو من عين المال المزكى حبوباً أو فواكه أو ثياباً...الخ،ولا يجوز استبدالها مادة بمادة، وبذلك فإنه لا يجوز أن يحسب التبرع لبناء المساجد أو المستشفيات أو طرود الخير أو موائد الرحمن أو الإفطارات التي تنظمها الشركات والمؤسسات والعائلات من الزكاة،فهذه كلها من الصدقات التي لا تسقط واجب الزكاة عن المتصدق، وهذا حكم شرعي يجب أن يكون واضحاً للناس جميعا، حتى لا يقع أحد منهم ضحية نداءات هذه الجمعية أو تلك المؤسسة، أو هذا القريب أو ذلك الصديق،ممن يحولون العبادة إلى مظهر، ويسخرونها لبناء صورتهم ومكانتهم الاجتماعية بغير وجه حق، وبتحريف واضح للدين وأحكامه ومنها أحكام الزكاة حيث حدد الكتاب والسنة أحكامها ومصارفها ومستحقيها،مما لا يترك لأحد فرصة اجتهاد، بخلاف الصدقة التي تركت للمتصدق أن يدفعها مالاً أو طعاماً أو شراباً قل أو كثر.
كثيرة هي أحكام الزكاة ودلالاتها، غير أن الحقيقة التي لا يجوز أن تغيب عن أذهاننا هي أن جوهر الزكاة وهدفها هو اجتتاث الفقر من المجتمع بمعالجات جذرية، وليس عبر الحلول الجزئية والمسكنات الآنية، وهذا هو الهدف الذي يجب أن نسعى إلى تحقيقه في واقعنا، لأنه أحد أهم أدوات مواجهتنا مع أزمتنا الاقتصادية، إن نحن تعاملنا مع الزكاة بأسلوب مؤسسي، كما أنها أحد أهم أدوات بناء تماسكنا الاجتماعي ان نحن فهمنا جوهر الزكاة.
"الراي"
Bilal.tall@yahoo.com