حين انتهى (الاخوان ) من انتخابات الشعب بشكل سري قبل نحو شهرين كان امامهم خياران : الذهاب الى انتخاب المراقب العام والمكتب التنفيذي واعلان اسماء الفائزين على الملأ , او التوافق على تشكيل لجنة لادارة الجماعة بعد ان فشلت مهمة تفويض احد القيادات لتشكيل مكتب تنفيذي مؤقت لادارة المرحلة القادمة وانقاذ ما يمكن انقاذه .
امس , حسمت الجماعة خيارها باتجاه تشكيل لجنة مؤقتة برئاسة المهندس عبد الحميد الذنيبات , فما الذي دفعها الى ذلك , ولماذا تم اختيار الذنيبات لرئاستها , وهل ادرك الاخوان اخيرا ان الصناديق ليست الخيار الوحيد فيما كانوا قد رفضوا اي خيار اخر وتمسكوا بالمراقب العام الشيخ همام سعيد حتى حين قيل لهم : ان انقاذ الجماعة من ازمتها اولى من الاصرار على بقاء المراقب العام ، واهم ومن اوراق الصناديق ايضا .
حين ندقق فيما حدث نجد ان الجماعة اضطرت الى تشكيل اللجنة المؤقتة لسببين اثنين : الاولى يتعلق بالتقاطها رسالة من الدولة تحذرها من اجراء الانتخابات كما جرت العادة , الجماعة كانت قدمت عرضا لاحد المرجعيات العليا يتعلق بموافقة الجماعة على اي اسم يطرح لموقع المراقب العام مقابل فتح حوار مع الجماعة الا ان الرد جاء بعبارة مختصرة , وهي ان الدولة غير معنية بخيارات الجماعة , الامر الذي فهمه الاخوان في سياق ضرورة التهدئة وعدم الظهور بمظهر المتحدي للدولة , اما السبب الثاني فهو اعتذار الدكتور عبد اللطيف عربيات عن القيام بهمة الانقاذ من خلال التواصل مع القنوات الرسمية , ثم فشل خيار تفويض شخصية من الاخوان بشكل توافقي لتشكيل مكتب الجماعة التنفيذي دون تدخل من اي طرف , وبعد ذلك وجد الاخوان ان خيار الانتخابات يمكن ان يفضي الى فوز الشيخ زكي بن رشيد او شخصية اخرى من طبقة القيادات السابقة التي اتهمت بتعميق الازمة , عندها قرروا استبعاد هذا الخيار , وذلك خشية ان يفهم في سياق “ تازيم “ العلاقة سواء بينهم وبين الدولة او بينهم وبين تيار “ الحكماء “ وبعض القواعد “ وخاصة من شباب الاخوان “ التي ترفض اعادة عقارب الساعة الى الوراء .
اما اختيار النائب السابق المهندس عبد الحميد الذنيبات لرئاسة اللجنة المؤقتة فيمكن فهمه في سياقين : احدهما محاولة ترطيب “ الاجواء “ داخل الجماعة باعتبار الرجل محسوبا على خط الاعتدال وله موقف موضوعي ( ان لم اقل محايدا ) من ملفات “ اشكالية “مثل العلاقة مع حماس , كما ان مواقفه من الدولة منذ ان كان نائبا اتسمت بالتوازن والهدوء , وبالتالي فان اختياره قد يكون رسالة حسن نوايا تجاه القواعد الاخوانية التي شعرت بالقلق من القيادات السابقة، وايضا تجاه الدولة التي يبدو انها حسمت موقفها من الجماعة او اوشكت على ذلك .
اما السياق الثاني فهو ان اختيار الذنيبات ( عبد الحميد ) جاء كرد من الجماعة على الذنيبات ( عبد المجيد ) المراقب العام لجمعية الاخوان المرخصة , بما يعنيه ذلك من ارتكاز على البعد “ العشائري “ الذي تحرص الجماعة على استدعائه عندما تحاصرها الازمات , ومن “ مناكفة “ سياسة ربما , سبق للاخوان ان جربوها اكثر من مرة في اطار استخدام البديل المناسب او مواجهة (مشاكسة : ادق) الخصم .
من المبكر , بالطبع , ان نحكم على مستقبل اللجنة المؤقتة او على ادائها وقدرتها على “ لملمة” الصف داخل الجماعة , لكن يكفي ان اشير الى ثلالثة ملاحظات , الاولى هي ان توقيت تشكيل اللجنة جاء متزامنا مع قرار حزب جبهة العمل الاسلامي بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، والثانية هي انه جاء ايضا متزامنا مع تاكيدات صدرت من تيار “ الحكماء “ باشهار حزب “ الشراكة والانقاذ “ بعد “ تعسر” العلاقة وانسداد الابواب بينهم وبين الجماعة , والثالثة انه جاء ايضا في مرحلة يبدو فيها ان الدولة حسمت امرها تجاه ملف “ الجماعة “ خاصة ان الجماعة لم تتمكن من انجاز مسألتين مهمتين , احداهما اشهار مراجعات حقيقية تفصل فيها بين النشاط الدعوي والنشاط السياسي , وثانيهما اعادة “ التوافق “ الى داخل الجماعة , وخاصة مع تيار الحكماء وبعض القواعد الشبابية , وهو الامر الذي عكسته قرارات شعبة الكرك التي انحازت للجمعية المرخصة , ومن المتوقع ان تنضم شعب اخرى اذا ما استمرت الازمة وتعمقت داخل الجماعة .
الدستور