ما هو التضخم السالب وما هي مضاره؟
محمد عاكف الزعبي
12-06-2016 11:57 PM
ثمة اعتقاد سائد بان انخفاض اسعار السلع الاستهلاكية مفيد للاقتصاد باعتبار انه يزيد القوة الشرائية. الاعتقاد السابق يظل صحيحا ما ظل انخفاض الاسعار مؤقتا ومحصورا بعدد قليل من السلع. اما حين يتسم الانخفاض بالشمولية والاستمرارية فانه يتحول الى ظاهرة اقتصادية شديدة الخطورة تعرف بالتضخم السالب.
ولعل استماتة البنكين المركزيين في كل من اوروبا واليابان لاعادة التضخم الى مستوياته الموجبة ولجوئهما الى وسائل غير تقليدية في مواجهة التضخم السالب، خير دليل على حجم الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد جراء التراجع المستمر في المستوى العام للاسعار. فكيف يكون انخفاض الاسعار ضارا؟
يتسبب المنحى التنازلي للاسعار بتنامي القيمة الشرائية للنقد مع مرور الوقت، ما يشكل حافزا امام الافراد للاحتفاظ باموالهم وادخارها بدلا من انفاقها. فلماذا انفق دينارا اليوم وانا اعلم بان القوة الشرائية لديناري نفسه سوف تزداد غدا؟
ايضأ يتسبب التضخم السالب بارتفاع اسعار الفائدة الحقيقية، الامر الذي يشكل حافزا اضافيا للافراد لادخار اموالهم وقصر مشترياتهم على السلع الاساسية.
هذا العزوف من قبل الافراد عن انفاق اموالهم وميلهم لتأجيل مشترياتهم يعني تراجع الانفاق الاستهلاكي بكل ما يعنيه ذلك من تراجع في مبيعات الشركات وارباحها وارتفاع في معدلات البطالة وتباطؤ في النشاط الاقتصادي.
ليس هذا فحسب، حيث يؤدي التضخم السالب ايضا الى ارتفاع القيمة الحقيقية للديون القائمة، ذلك ان انخفاض الاسعار لا يقابله انخفاض في القيمة الاسمية للديون. فإذا اقترض احدهم مبلغ 100 الف دينار لشراء شقة فان قيمة القرض ستظل ثابتة دونما تغيير حتى وان انخفضت قيمة الشقة الى 90 الف دينار وهو ما يزيد العبء على الجهات المقترضة؛ افرادا وشركات وحكومات.
لكن الاخطر من ارتفاع القيمة الحقيقية للدين هو ان يقوم المقترضون بالتوقف عن سداد القروض القائمة واستبدالها بقروض جديدة بقيم اقل، لان لذلك انعكاسات خطيرة على القطاع المصرفي؛ فبالعودة الى مثال الشقة نجد ان البنك قد خسر مرتين: مرة عندما توقف العميل عن السداد، ومرة اخرى حين انخفض سعر الشقة المرهونة من قبل البنك. فاذا كان القرض لا يزال في بداية عمره فان قيمة الرهن لن تغطي الجزء المتعثر من الدين.
مضار التضخم السالب تطال المالية العامة ايضا. حيث يتسبب انخفاض الاسعار بانخفاض حصيلة الدولة من ضريبة المبيعات، لان الاخيرة تعتمد على السعر النهائي للسلع. ولعل اقرب مثال الى الذهن بخصوص العلاقة بين الاسعار و ايرادات الدولة ضريبة المبيعات هو الخسارة التي منيت بها الخزينة جراء انحفاض الايرادات الضريبية المتأتية من المشتقات النفطية بسبب هبوط اسعارها.
وفي الحديث عن المالية العامة، لا نستطيع ان نغفل اثر انخفاض الاسعار على الدين العام. اذ يقاس الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الجمالي الاسمي الذي تربطه علاقة طردية بمعدلات التضخم. فإذا انخفض التضخم قل الناتج الاسمي وارتفعت المديونية.
الاسوء من كل ما سبق، هو ان قدرة البنوك المركزية على محاربة التضخم السالب تبقى محدودة، فاقصى ما يمكن للبنوك المركزية فعله هو تخفيض الفائدة الى صفر بالمئة او اقل بقليل بخلاف التضخم الموجب الذي يمكن للبنوك المركزية مواجهته باسعار فائدة مرتفعة جدا كما هو الحال في روسيا ومصر على سبيل المثال.
للتضخم الموجب وجهان: وجه جيد اذا كان التضخم ناتجا عن النمو الاقتصادي وارتفاع في الطلب الاجمالي على السلع والخدمات، ووجه سيء يظهر عندما يكون التضخم سببا في تراجع الطلب مثل التضخم الذي ينشا عن ازمات الطاقة العالمية. اما التضخم السالب فلا وجه له الا وجهه السيء.