الفلوجة اليعربية ومسارات الحسم
المحامي فراس أخوإرشيدة
12-06-2016 12:21 PM
إن معركة الفلوجة هي الخطوة التنفيذية المتطوره لرفع مستوى الأزمة التاريخية في المنطقه لجهة إحداث الصدع العامودي العميق في بنية الاصطفاف الفكري السياسي لدى شعوب المنطقة وتمثل عامل إيضاح بارز لملامح الدويلات المفترضة الجديدة ذات الكينونة المذهبية والعرقية - ألفت إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ( الكردية ) على مدينة منبج السورية مثالاً آخر لملامح الدويلات المفترضة الجديدة- هي الفلوجة ذات التاريخ البعيد والقريب، حيث جسدت بامتياز إرادة الصمود وثقافة المقاومة في وجه المحتل الأمريكي الأطلسي عام 2004 إبان الاحتلال المباشر للعراق، وكيف أن ملحمة الصمود تلك دفعت المحتل لامتطاء صهوة جنون الغطرسة والقوة فأغرقها بإعصار من نار حوى الفسفور واليورانيوم المنضب بغية تركيع ذلك المكون الوطني العراقي العروبي الذي رفع أكلاف الحرب على المحتل وأطاح بفائض الهيبة الأحادية للمارينز وجنرالات البنتاغون وزعماء شركات الإجرام من مثل شركة أو عصابة بلاك ووتر.
وحيث أن حكومة المنطقة الخضراء ( حكومة العبادي ) ذات الارتباط المزدوج مع أمريكا وإيران لكي لا نقول ذات الارتهان المزدوج وكوريث لنهج حكومة المالكي التي أوفدت مبعوثين لتسعة دول عربية منها مصر والسعوديه والأردن على اعتبارها النظام الرسمي الناطق باسم المكون السني لشرح طبيعة معركة الفلوجة بأنها معركة تطهير المدينة من تنظيم داعش ومنزوعة البعد الطائفي، ويطلب العبادي دعماً من هذه الأنظمة في معركة الفلوجة.
وحقيقة الأمر أن حكومة المنطقة الخضراء لا تحتاج لمثل هذا الدعم إذ إن جميع الدول الموفد اليها هي جزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب في سوريا والعراق وأن التحالف بدوره يغطي معركة الفلوجة جوا وفقاً لاستثمار قيادة التحالف الأمريكية لمستويات الصراع في سوريا والعراق، كما أن سلاح الجو العراقي والقوات الحكومية العراقية وقوات الحشد الشعبي جميعها تشارك في معركة الفلوجة. والصحيح إن مايحتاجه فعلاً هو صك براءة من هذه الأنظمة لرفع الاتهام عن القطاعات المعسكرة والفظاعات التي ترتكب بحق المدنيين بطعم طائفي، طعم يروق لأمريكا ولروسيا حيث أن التنكيل بالمدنيين وكسر إرادة الشعب الفلوجي ليست من المصالح الحيوية للدولتين، ويروق لأغلب أطراف الصراع الدولي والإقليمي ومنها إيران.
لا نعول على دور أمريكي روسي في ضبط طبيعة واطار معركة الفلوجة كمعركه ضد التنظيمات الارهابيه وحسب لا بل ضروره تدفع بمشروع المحاصصة خاصتهم في المنطقه نحو رسم حدود تلك المحاصصة لكل من الدولتين.
ماهو مطلوب من إيران وحلفائها في سوريا والعراق الانسجام مع خطابهم الفكري والسياسي المعلن في مناهضة مشاريع التقسيم والهيمنة والحريص على درء الفتنه الطائفيه، إذ إن عفن الطائفيه الذي يفوح في فضاء محيط الفلوجة يجعل ذلك الخطاب المعلن محل اختبار فعلي وحقيقي ،فعلى إيران تحديدا أن تلجم غلواء النفس الطائفي الصادر عن قيادات الحشد الشعبي المهددة باقتحام المدينة الذي يرون فيها وفقا لقيادات الحشد منبعا للإرهاب منذ عام 2004 .
إن التقارير الصادرة عن منظمات أممية وحقوقية قد رصدت طبيعة وحجم الانتهاكات والفظاعات التي ترتكب بحق أهل الفلوجة، حيث أشارت تلك التقارير لمأساة إنسانية وجريمة حرب مستمرة بحق 90 ألف مدني محاصرين داخل المدينة وإن الممرات الآمنة المزعومة هي في حقيقتها ممرات موت وتنكيل وحشي بالمدنيين.
إن اعترافات الإدارة الأمريكية وبالتبع حكومة المنطقة الخضراء عن وجود انتهاكات -وأسمتها- فردية وستعمد لتشكيل لجنة تحقيق في تلك الانتهاكات ( الفردية ). الأمر الذي يجعل هذه التصريحات تمثل صفاقة إنسانية وسياسية وتدفع بسؤال استراتيجي يتوجب على حكومة العبادي التصدي للإجابة عليه، هو من سلم الموصل بأسلحتها لداعش؟وكيف؟ ولماذا؟
مطلوب الآن من النظام العربي الذي يقدم نفسه كحامي للمكون السني -في ظل المأساه الدائره- أن يتحمل مسؤوليته القومية والسياسية، بأن يضع قيادة التحالف الدولي والروس ومبعوثو حكومة العبادي أمام واقع المعركة وضرورة وقف كافة المعارك الدائرة في محيط المدينة لحين تأمين ممرات للمدنيين على أن لا يكون باستقبال النازحين قوات الحشد الشعبي وأن لا تشارك هذه القوات بعمليات اقتحام المدينة وإن تزيت بثوب القوات الحكومية.
لم نكن طائفيين ، لكن حينما يتعلق الأمر بحركات المقاومة الوطنية وبحياة الأبرياء العزل وترويعهم، فبالقطع ننحاز اليها غير مترددين صارفين النظر عن مذهب وعرق تلك المقاومات الشعبية، فطالما كنا مع المقاومة اللبنانية وحزب الله في معاركها ضد الإحتلال الإسرائيلي للبنان وكنا مع أهالي معلولة المسيحية، ويجد تقديراً لدينا التيار الصدري الشيعي العروبي في نضاله ضد المحتل الأجنبي، حيث نرى في تلك المقاومات تعبيراً صادقاً وحرا عن إرادة الأمة لجهة كرامة العيش وحق تقرير المصير الذي ماعاد يجد له محلا إلا في أدبيات الأمم المتحدة، في ظل نظام عربي مستبد وبائس، كموميات شامخة بالهزيمة تضطجع فوق منصات الحكم المقدس.
مايعني بالنتيجة أن تكون معركة الفلوجة تطهيرها من التنظيمات الإرهابية لا أن تكون معركة تطهير عرقي وتفظيع بالمدنيين بغية خدمة مسارات الازاحة في الديموغرافيا الجيوسياسية وأن لاتستهدف المعركة تركيع الشعب الفلوجي الذي يعد جزءاً هاماً لمكون وطني عراقي وعروبي أصيل ورقما صعباً يحمل إرثآ غالياً أبقى على فكرة وجذوة الإرادة والصمود في الزمن الصعب. ولا زال.
أدركوا الفلوجة...