الفحيص : ماذا بعد اعتصام السبت ؟ • د. سليمان صويص
12-06-2016 11:42 AM
تصرّف أهالي الفحيص بحكمة يوم السبت 11/6/2016 عندما قرروا تحويل اعتصامهم أمام بلدية الفحيص ظهر ذلك اليوم، احتجاجاً على قرار البلدية بالموافقة على مشاريع شركة لافاراج على أراضي مصنع الإسمنت بعد رحيله الوشيك عنها، والمطالبة بإلغائه.. تحويل الإعتصام إلى جلسة مناقشة مع رئيس البلدية السيد هويشل عكروش، بعدما دعاهم إلى الدخول إلى قاعة الإجتماعات في البلدية التي بالطبع لم تسع أعداد المعتصمين والمعتصمات من رجال ونساء وكهول وشباب الفحيص الغيورين على أرض آبائهم وأجدادهم التي استملكتها الحكومة منهم قبل نحو سبعين عاماً بإسعار زهيدة، وعانت أجيال المدينة على مدى عقود من التلوّث البيئي والأضرار الإقتصادية والصحية والإجتماعية التي كان يسببها المصنع.
نقول بأن المعتصمين تصرفوا بحكمة لأنه كان لا بد من تلك المناقشة، قبل تقرير الخطوة التالية من تحركات أهالي الفحيص ومؤسسات مجتمعهم المحلي، ولئلا يتهموا بالإنفعال أو برفض الحوار أو التطرّف أو التجنّي على رئيس البلدية وقرار الموافقة. فإن اقتنع رئيس البلدية بخطأ قراره وتراجع عنه، فإن هذا كان سيعني إنهاء الإعتصام واستئناف معركة أراضي المصنع بعد رحيله، يداً بيد هذه المرة، وبوسائل أخرى. أما إذا تبيّن عكس ذلك، فهذا سيعني مواصلة الإعتصام وتصعيد أشكال النضال السلمي الديمقراطي كافة لإستعادة الحقوق.
استمع المعتصمون والمعتصمات إلى رئيس البلدية مطوّلاً وهو يشرح حيثيات القرار وأسبابه ويُسوّغه بمختلف الحجج المقنعة وغير المقنعة. وعندما طرح عليه الحضور عشرات الإسئلة وفنّد البعض في مداخلاتهم القرار وسلّطوا الأضواء على الأخطاء المرتكبة فيه، وأوضحوا الطريق السليم لحماية أراضي الفحيص، إختار عطوفته من الأسئلة ما يمكّنه من الرد عليها، في حين تجاهل الأسئلة الكبرى التي طرحها البعض عليه، من بينهم رؤساء بلدية سابقون، أي على دراية تامة بكيفية اتخاذ القرارت وإدارة أمور البلدية.
قيل للسيد هويشل : قبل عام ألغيت قراراً تعلّق بتنظيم أحد الشوارع التجارية الرئيسة في المدينة... فكيف تقول اليوم بأنك لا تستطيع إلغاء قرار الموافقة على مشاريع لافاراج، وهو قرار أخطر بألف مرة على مستقبل مدينة الفحيص من قرار تنظيم أحد شوارعها ؟ إذا كانت هناك ضغوطات فلتعلن وسوف نقف إلى جانبك لمساعدتك وندعمك في عدم الرضوخ لها ! تجاهل رئيس البلدية الرد على هذا السؤال.
قيل للسيد هويشل : تتحدث عن شروط وضعتها في القرار... هل قرأت قانون الإستثمار الجديد الذي صوّت عليه مجلس النواب قبل حلّه والذي يعني بالملموس رفع يد الحكومة عن أية قيود يمكن أن تفرضها السلطة التنفيذية على المستثمر ؟ (المعلومات المتداولة تقول بأن لافارج، بعد أن تحصل على موافقة البلدية، سوف تبيع الأراضي لمستثمر خليجي). هنا أيضاً : تجاهل رئيس البلدية الرد ولم ينبس ببنت شفة ...
وعندما قيل لرئيس البلدية المؤتمن على مصالح المدينة والمنتخب من اهلها : إن المشاريع التي تكون كلفتها مئات ملايين الدنانير تمضي شهور وربما سنوات في الأردن وأصحابها أو المستفيدون منها ـ وفي أحيان أخرى الحكومات ـ يُعدّون الدراسات بشأنها من حيث الجدوى الإقتصادية والآثار البيئية إلخ.. ومشاريع لافاراج المقترحة يقال بأن كلفتها أكثر من ملياري دينار ... فلماذا الإستعجال وأين هي دراسات الجدوى الإقتصادية ودراسات الآثار البيئية ؟ هل يعقل أن يبنى مستشفى على 200 دونم في حين ان المدينة الطبية بحالها لا تتجاوز مساحتها الستين دونماً ؟ ! هل يعقل بناء ملاعب غولف على مئات الدونمات أم أن هذه مشاريع وهمية؟
لم يجب عطوفته على السؤال.
قيل له : إن الوقت يعمل لصالح الفحيص والبلدية وأهلها وبيدهم الأوراق الرابحة ... فماذا الإستعجال ؟ أيضاً لم يسمع المعتصمون أية إجابة. وعندما قيل للسيد هويشل : هذه المشاريع الوهمية ستحدد مستقبل الفحيص وستغيّر من هوية المدينة وطابعها... لماذ لم تتشاور مع أهل الخبرة والرأي والإختصاص في المدينة والوطن وهم والحمدالله كثر ؟ لا جواب. أما ما أخفاه السيد رئيس البلدية عندما كان يصرخ : "ما هي البدائل ؟ هل هي العودة لمصنع الإسمنت ؟"، فهو مشروع اطّلع عليه عطوفته ومتداول على أعلى المستويات، ويتمثل بإقتراح إقامة قرية للأمم المتحدة في الفحيص تكون مركزاً لوكالاتها في الشرق الأوسط، مشابهة لقرية في النمسا، وسيعود هذا المشروع (بعد أن تستعيد الفحيص أراضي المصنع بعد رحيله) بالنفع العظيم ليس فقط على الفحيص بل على الأردن كله... لماذا تجاهل رئيس البلدية هذا "البديل" الذي يتحفظ عليه أهالي الفحيص ويرفضون الخوض فيه قبل استعادة أراضيهم.
بعد ذلك، عندما ناشده المعتصمون بضرورة إلغاء القرار الذي سيدمّر مستقبل الفحيص، أجاب ب "لا" كبيرة وواضحة مرفقة بإقتراح "لرفع العتب" [أن يقدّم المعتصمون اقتراحات "لتحسين القرار"] !!
ماذا بعد ؟
بعد يوم السبت الذي استعاد فيه الفحيصية عافيتهم النضالية.. لم يبقى أمامهم سوى مواصلة النضال بمختلف أشكاله وأولها الإعتصام الدائم أمام البلدية ، وإذا تطلّب الأمر أمام وزارة البلديات ورئاسة الوزراء، والإصرار على إلغاء القرار الذي يطعن الفحيص في الصميم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً ..
لا تزال معركة إستعادة الحقوق في أراضي مصنع الإسمنت في بدايتها، و"الفحيصية" لديهم تقاليد عريقة في النضال الديمقراطي، وأثبتوا في أكثر من مناسبة مدى تعلّقهم بحقوقهم واستعدادهم لبذل أغلى التضحيات في سبيل الذود عن أرضهم وعرضهم وحماهم. واخيراً : هذه المعركة ليست معركة أهالي الفحيص وحدهم ؛ إنها معركة الأردنيين جميعاً. ولذلك فإن منظمات المجتمع المدني وقوى المجتمع الأردني الحيّة، السياسية والإجتماعية مدعوّة للوقوف إلى جانب أهالي الفحيص في معركتهم المصيرية ودعمهم بالسبل كافة.