زرعنا خير وفي الآخر حصدنا خير
أ.د مصطفى محيلان
12-06-2016 11:20 AM
هذا هو حال وطني الحبيب بناسه ومؤسساته، قبل مائة عام كان الحلم ومباشرة بدء المشوار، زُرِعت الفِكرُة الخيِّرة بنية طيبة، وأجتمع لها وعليها الطيبون مع الطيبين، الهاشميون مع الأردنيين، فكان الله ثالثنا فوفقنا لأن نصنع معجزة تاريخية باقية بإذن الله ما دامت السموات والأرض، ألا أنها معجزة التحرر من حكم الآخَر إلى حكم الله، وتبعها الاستقلال فالبناء واليوم حصدنا خيراً، لقد كان يوم أمس فرحة حصاد مزدوجة في المدينة الهاشمية «الطفيلة» وبالتحديد في جامعتها «الطفيلة التقنية»، إذ انه صادف يوم تخرج كوكبة من طلبتها يوم الاحتفال بالذكرى المائة للثورة العربية الكبرى وتسليم الراية، وهي بدورها سلمت رايات الفكر والعمل والإبداع والعطاء لكوكبة من طلبتها الذين ما بخلت عليهم يوما بمعلومة ولا بنصيحة.
قبل بضعة أعوام زُرت جامعة الطفيلة التقنية، وقبل بضعة أيام وجدت نفسي هناك، وبوسعي أن أقول بكل ثقة وسعادة ما ابعد اليوم عن الأمس، سأبدأ من النهاية فهذا أدعى للتفاؤل، وبالتحديد فيما شهدته في حفل تخرج طلبة تلك الجامعة.
وضعني حفل التخرج من بدايته بأجواء ذكرتني باحتفالات التخريج في الجامعة الأردنية وخاصة في فترة السبعينات من القرن الماضي، فلقد رأيت تنظيما استثنائيا، فقد كان مكان الحفل مناسباً في قلب الجامعة في ساحة الصالة الرياضية متعددة الأغراض التي انتهت أعمال بنائها مؤخراً وهي منجز رائع بحد ذاته، فمجموعات الطلبة بزيهم الرائع وابتساماتهم الصادقة النابعة من فرحة التحصيل والنجاح، يقابلهم أعضاء هيئة التدريس سعداء بحصادهم أمام أعينهم، محاطين كلاهما بالورود وكل ذلك يتوسط الأهل والأحباب، فكان جو مليء بالسعادة والدفء والنظام والتناغم والإنجاز، فرحات بعضها فوق بعض، فشعرت وكأنني بجنة من جنان الأرض وقد كانت كذلك لجمال وروعة المنظر، ومما زاد في طيب اللقاء هو عبارات الشكر لله وللوطن «وللقيادة عبر العصور» لما قدموه لنا حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من رقي وتميز وأمن وسلام، ومن الجيد أن نُعلِم أبناءنا الطلبة الاعتراف لأصحاب الفضل بفضلهم، وسنجزي الشاكرين.
لقد بدأ الحفل بالسلام وانتهى بسلام، وما لفت نظري وعلى غير العادة، هو أن رئيس تلك الجامعة ما كان يخطو خطوة إلا ويوقفه عضو هيئة تدريس أو مجموعة أعضاء هيئة تدريس يودون أخذ الصور التذكارية معه، وكذلك فعل الطلبة، قلت في نفسي ما الذي دفع بهؤلاء وأولئك فعل ذلك بشكل عفوي وبإصرار؟ استعرضت تاريخ ذلك الإداري الذي قدر له أن يصبح رئيسا لتلك الجامعة، فوجدته ليس بالقاسي مع الطلبة والعاملين فيها وليس بالمتساهل، وإذا جدَ الجدُ فهو الجريء باتخاذ القرار وليس بالمتردد، رأيت بنيانا تطاول في السماء في كل مكان في جامعته، رأيت قاعات تدريس مجهزة بما يحتاجه الطالب والمدرس، رأيت مختبرات «تَبَدل حالها» أصبحت اليوم تعج بالأجهزة والمعدات الأساسية والضرورية ففيها ما تشتهيه العقول وما يتناسب مع المقررات، تم انتقاء كادر فني بعناية يدفعك للعمل كلما وجدت نفسك معهم فأنت واحد منهم فور وصولك إلى هنا، إدارة حريصة على العمل متابعة للعاملين سواء على مستوى أعضاء هيئة التدريس أو العاملين، فلقد حظي بعض أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة حسب شهادتهم بعشرة زيارات على الأقل من كل من رئيس الجامعة ونائبه للاطمئنان على سير العمل أثناء انعقاد المحاضرات، وكان الطلبة يُسألون عن أداء أساتذتهم وجها لوجه لأخذ التغذية الراجعة، فنحن في زمن المصارحة والمراجعة والمتابعة والمناقشة والمساءلة والمكافأة وهذه مقومات النجاح لمن يسعى لذلك بالحكمة وبإخلاص.
أقارن أداء أي رئيس جامعة أو مسؤول على هذه الشاكلة مع مسؤول آخر لا يراه موظفوه أو طلبته إلا بالمناسبات، فمن المنطقي والمتوقع أن يحظى هذا باحترام العاملين معه وطلبته وذاك بغير ذلك، فالأول أخلص لله وللوطن وكان عند حسن ظن من انتدبوه لتلك المهمة، وفعّلَ مواطنته الصالحة ونزل للميدان، فكوفئ خيراً بخير وأحاط به مريدوه من كل جانب، وذاك بَخِلَ واستغنى ولزم مكتبه وعزل نفسه عن مسؤولياته فنُبِذ في العراء.
هكذا يكون دور الجامعة في بناء الإنسان والمواطن الفاعل وتنمية وخدمة المجتمع المحلي، تعليماً وتثقيفاً وسمعة طيبة، فهنيئاً للطفيلة الهاشمية بجامعتها وهنيئا للطلبة وذويهم وللوطن بأفراحه، الّلهم زد وبارك.