حين اكتشفنا (فضل) العشيرة .. !!
حسين الرواشدة
12-06-2016 02:29 AM
مع كل ازمة تواجهنا او نواجهها ، نكتشف “ عشائرنا “ ، فنصحو على صرخة الضمير الذي لطالما حاول البعض اسكاتها باسم الليبرالية وتحديث الدولة ، وكأن العشيرة هي التي اعاقت التنمية واعادتنا للوراء ، او كأن هؤلاء النشامى الذين قدموا ارواحهم كرمى للوطن لا يستحقون ان يكون لهم - مثل غيرهم من ابناء الذوات - مقاعد في “قمرة” الخصخصة ، اوعلى شرفات الناطقين باسم تحرير البلد من “الرعوية” واعادته الى رعاية الصناديق الدولية.
بوسع الذين حذرونا من الاعتماد على منطق العشيرة ، وحرضونا على شيطنتها والغائها ، ان يدلونا اليوم على شاهد واحد يقنعنا ان العشيرة قصرت بحق البلد ، او ان البدائل التي طرحوها لملء فراغ العشيرة اسعفت الدولة في تجاوز مشكلاتنا وازماتنا ، نريد ان نسألهم : هل القرارات والسياسات المتوحشة التي قصمت ظهور الفقراء ووسّعت الفجوة بين الطبقات ودفعت الشباب الى الانتقام من انفسهم ومن مجتمعهم جاءتنا على مركب العشيرة ام على مراكب اخرى غرقت في التنظير واغرقتنا معها ايضا ..؟
لقد التزم الناس الصمت على مدى السنوات الماضية وهم يتابعون العزف على اوتار ناشزة تدعو الى تجاوز منطق العشيرة ، كنا نعتقد آنذاك ان المقصودهو اعادة الاعتبار لهيبة الدولة والقانون ، لكننا اكتشفنا ان وراء هذه الدعوات نوايا واجندات تحاول ان تشطب هويتنا وتمحو ذاكرتنا وتحولنا الى مجاميع من السكان ، كما يريد اصحابها ان يستحوذوا على المناصب والامتيازات ، ويحولوا البلد الى شركة مساهمة يديرونها كما يشاؤون.
حين صدمتنا حادثة احراق الشهيد معاذ الكساسبة وهو يقف شامخا امام النيران التي اشعلها “الخوارج: في جسده النحيل ، تذكرنا “العشيرة” ، افزعتنا آنذاك الهواجس والمخاوف من ارتدادات الحدث على مجتمعنا ، لكن بفضل منطق العشيرة الذي نشأت عليه الدولة ونهضت على اساسه ، تبددت مخاوفنا ، كما تحطمت على صخور ارادة “ابناء العشائر” المنغرسين كقرامي الزيتون في تربة الوطن اطماع المتربصين بنا ، والمشككين بقدرتنا على تجاوز الازمات والمحن.
حين صدمتنا ايضا صورة الحادثة التي اودت بخمسة شهداء من ابنائنا الاسبوع الماضي ، تذكرنا ايضا عشائرنا ودماء ابنائها الذين ضحوا من اجلنا ، حينها خرج “شباب العدوان” ليعيدوا الينا افضل ما فينا ، حيث العشيرة التي تتحدث وتتصرف بمنطق الدولة وقيمها ، لا بالمنطق الذي توهم البعض ان عنوانه الثأر والانتقام لكي يروجوا بيننا من خلاله بضاعتهم المغشوشة.
الا تستحق العشائر في بلادنا ان تسترد اعتبارها ، وتستعيد عافيتها ومكانتها التي انتزعها على غفلة منا بعض “العابرين “ على ارصفة اوجاعنا ، اليس من الواجب ان نصارح هؤلاء الذين تعمدنا تهميشهم وتجريحهم ونقول لهم : اخطأنا بحقكم ، نعتذر لكم ، لن تجدوا منا الا ما يسركم .
حين تدقق في الاوضاع التي يراد لنا ان نصل اليها ، وخاصة على صعيد الهوية والمكونات الاجتماعية ، نكتشف ان المشكلة اعمق مما يبدو على السطح ، يكفي هنا ان نسأل : ما هي الرواية التاريخية التي نقدمها لابنائنا عن بلدنا ؟ الاجابة- بالطبع- موجودة ويمكن لمن اراد ان يعرفها التوجه الى اي كتاب في التاريخ او التربية الوطنية التي ندرسها لطلبتنا في المدارس، وهي صادمة للاسف، لكن ما يصدمنا اكثر هو اننا نعاني من جدب تاريخي اعجزنا عن كتابة تاريخنا بالشكل المطلوب.
لماذا اذا لم نفلح في كتابة تاريخنا، ولماذا فرطنا في تدوين ذاكرتنا الوطنية، ولماذا ضاع ارشيفنا “الذي كان يمكن ان يسعفنا في الاجابة على اسئلة اجيالنا الحاضرة على الاقل؟
هنا يمكن ان نضع اصابعنا على الجرح، ماذا يعرف ابناؤنا عن تاريخنا وتاريخ العشائر في بلدنا ، ماذا يعرفون عن اجدادهم وشهدائهم ، ماذا قدمنا لهم من نماذج وطنية معتبرة لكي يستلهموا منها الانتماء للوطن والاعتزاز بتاريخه..؟ ولماذا لم نخلد ذكرى هؤلاء على جدران مؤسساتنا وفي ذاكرة اجيالنا ؟
أشعر بالمرارة حين أسمع كلاماً مغشوشاً عن تاريخنا ، ومزاعم لا أساس لها من الصحة عن دورنا ومواقفنا ، ومحاولات لشيطنة عشائرنا ، واتساءل لماذا؟ فيأتي الجواب: انكم لم تحسنوا تقديم انفسكم وتاريخكم للآخرين ، وتركتم الفراغ ليملأه من هب ودب ، لقد حاول غيركم أن يكتب تاريخكم ويملأ الفراغ الذي تركتم وكان الأولى بكم أن تنهضوا وتكسروا حواجز الصمت ، وأن لا تخشوا شيئاً.
الدستور