اهتممت منذ فترة بأنواع الزواج غير المألوفة في حياتنا، التي اشتقتها بعض المجتمعات السنية احتيالا على تحريم زواج المتعة، الذي يحلله الشيعة، وقد تعقبت هذه الأنواع في سلسلة من المقالات، لأنني كنت على الدوام أعتقد أن مشكلة «الشقاء الجنسي» الذي يعاني منه المجتمع الشرقي واحد من أهم معوقات تقدم المجتمع وازدهاره، لأن الإنسان الذي لا يشعر بالإشباع المطلوب لحاجاته الأساسية لا يستطيع أن يبدع في أي مجال، وسيظل أسيرا لهذه الحاجات، والجنس في حياة البشر شأنه شأن الطعام والشراب، والإنسان الجائع ليس بوسعه التفكير إلا في كيفية حصوله على الطعام، كي يتفرغ من بعد لتأدية بقية الواجبات والأنشطة!
وقد اطلعت أخيرا على الجهد الذي يبذله أحد الزملاء في بحثه الجاد عن واقع هذا النوع من الزواج، ومدى تغلغله في حياتنا، وهالني أن حجمه أكبر بكثير مما كنت أعتقد، بل اكتشفت أن هناك أنواعا وأشكالا أخرى من الزواج غير شائعة على نطاق واسع، لكنها موجودة بكثرة ويمارسها رجال «محترمون» جدا، ولهم مكانتهم في المجتمع، وبعضهم من علماء الشرع، بل إن هؤلاء تحديدا أكثر قدرة على استخراج ما يكفي من أدلة شرعية لتبرير ما يفعلون، رغم أنهم لا يجاهرون برؤاهم للعامة، ويكتفون بإشباع حاجاتهم الشخصية، عبر طرق غريبة من التعامل، أحد هؤلاء دأب منذ سنوات على أن يتزوج كل ثلاثة أشهر من واحدة من أجمل بنات «الفرنجة» خاصة من بنات بني الأصفر، الشقراوات، ذوات القدود المياسة، وآلية هذا الزواج –السري طبعا- تقوم على استقدام إحدى طالبات الجامعات مثلا، من البوسنة أو دول أوروبا الشرقية الفقيرة، وإجراء عقد زواج عرفي، أي خارج إطار التوثيق في المحكمة الشرعية، مع «تدبير» قصة الولي في حالة كانت الزوجة عذراء، على نحو من الأنحاء، وفي نهاية الشهور الثلاثة، يُطلق صاحبنا الزوجة السرية، ويعطيها ألفي دولار، على أن ترسل له فتاة ثانية من جميلات بلدها، كي يبدأ زواجا آخر بالطريقة ذاتها، ومقابل المبلغ ذاته، وبالطبع هناك بيت سري لهذا الزوج المغوار، يمارس فيه حياته الزوجية السرية، دون علم زوجته المُعلنة، وبالنسبة للزوجات المرشحات لخوض هذه التجربة الفريدة، فهي فاتحة للشهية ومُربحة، كونها تتيح لها «شمة هوا» في بلد جديد، ومصروف «جيب» أو «عِبْ» لمدة ثلاثة شهور، ومكافأة نهاية خدمة (!) كفيلة بإتمام دراستها الجامعية في بلدها، أو توظيف مبلغ الألفي دولار فيما يدر دخلا ما!
هذه حالة واحدة فقط من حالات الزواج السري، أو غير الموثق في المحاكم، أو العرفي، وهي حالة من مئات، بل آلاف الحالات التي تتم سرا، بعيدا عن عيون المأذون الشرعي، التي تنتشر في مجتمعنا، حيث تفيد إحصاءات محكمة شرعية واحدة في عمان خلال عام تقريبا، بأن هناك 687 حالة زواج عرفي تم تثبيتها في المحكمة بعد أن تم الزواج بفترة، ناهيك عما يتم تثبيته في بقية المحاكم، وناهيك أيضا عن تلك الحالات التي لم ولن يتم تثبيتها وتبقى طي السرية، يعني لدينا وفرة وفيرة في أعداد هذا النمط من الزواج، غير الموثق!
والحل؟
لا أدري، كل ما أدريه أننا بحاجة لتيسير سبل الزواج، وتغيير أسلوب تعاملنا كله مع هذا الملف، كي لا يبقى رجالنا ونساؤنا يعانون من .. الشقاء الجنسي، ويبتدعون ألوانا من العلاقات، الشرعية «الملتوية» وربما غير الشرعية أصلا وفرعا!
الدستور