عبادة رمضان بين المظهر والجوهر
بلال حسن التل
12-06-2016 02:21 AM
للعبادات في الإسلام مظهر وجوهر، وكثيرون هم أولئك الذين تلهيهم مظاهر العبادات عن جوهرها، فتتحول العبادة لديهم إلى عادة لا يشعر من يمارسها بمكنونات جوهرها ومعانيها ومراميها، وهي المعاني التي يحتاج الوصول إليها من العابد أن يستسلم إلى معبوده بخشوع وسكينة تامين، يتفرغ بهما للعبادة متجردا من أي وساوس دنيوية، وهو ما لانلمسه لدى الكثيرين ممن يؤدون العبادات حركة دون أن يدركوا جوهرها، لأنهم لا يمارسون الخشوع والاستسلام للمعبود ليدركوا جوهر العبادة فهم في لحظة العبادة لا ينسون مشاغل الدنيا، فتتحول عبادتهم إلى مجرد حركات بلا روح، والشواهد على ذلك كثيرة، فأين هو الخشوع والاستسلام اللذان يقودان إلى السكينة التي تدرك جوهر الحج والعمرة، عندما ينشغل من يؤديهما بالتقاط الصور له ولمن معه أثناء الطواف حول البيت العتيق، أو السعي بين الصفا والمروة، أو أثناء زيارته لقبر الحبيب المصطفى؟ وأين هما الخشوع والاستسلام اللذان يفضيان إلى السكينة، ونحن نسمع كل هذه القصص عن التدافع الذي طالما أدى إلى الموت بين الحجيج، الذين لم يدرك الكثيرون منهم أن من أهم مقاصد العبادات في الإسلام تدريب العابد على النظام، وتنمية روح الإيثار لديه، ولأن الكثيرين ممن يؤدون العمرة مرات ومرات، والحج كلما أتيح لهم لا يدركون جوهر العبادة، فإننا لا نلمس أثراً للحج والعمرة على سلوكهم وتصرفاتهم، أي على أخلاقهم بعد أن تحولت رحلتا الحج والعمرة عندهم إلى مجرد رحلة سياحية ومناسبة لأخذ الصور التذكارية وممارسة (السلفي).
ومثل أولئك الذين لا يدركون جوهر عبادة الحج، كذلك أولئك الذين لايدركون جوهر عبادة الزكاة والصدقة، فالأصل أن لا تعلم يمين المزكي والمتصدق ما تنفق يساره،والأهم من ذلك أن لا يتبع صدقته بمن أو أذى، بينما صارت الزكاة والصدقات لدى الكثيرين منا وسيلة من وسائل الرياء الاجتماعي والظهور الإعلامي الذي يُذهب بالأجر لأسباب كثيرة، أهمها الرياء ناهيك عن جرح كرامات الفقراء والمساكين من أصحاب الحاجات الذين تنالهم بعض الصدقات المشوبة بالكثير من المن، مما يفقد عبادة الزكاة والصدقات جوهرها ومعناها، وأشد ما تكون هذه الصورة وضوحاً في رمضان الذي نعيش هذه الأيام مظاهره دون أن ندرك جوهره ومراميه التعبدية، ومن أين لنا أن ندرك ذلك وقد حولنا رمضان إلى شهر صخب وملذات أولى علاماتها هذه الإعلانات التي تملأ وسائل الإعلام المرئي والمسوع والمقروء عن أنواع الطعام، وصنوف السهرات الرمضانية الصاخبة، والبرامج والمسلسلات الترويحية والترفيهية، وكأن رمضان موسم سنوي للهو والملذات الحسية، وأولها الشراهة في الطعام والشراب، وصولا إلى قضاء ليالي رمضان بالسهر لعبا للورق وغير ذلك من صنوف اللهو غير البريء، مع أن الأصل أن الصيام شرع لتهذيب النفس وتدريبها على مقاومة الشهوات، وأولها شهوتا البطن والفرج، فأين نحن من هذا التهذيب والتدريب في ظل هذا التدفق الإعلاني الذي يحرض على الملذات والشهوات وعلى اللهو والترف؟
ومثلما حولنا رمضان إلى شهر لهو وملذات، فقد حولناه إلى شهر كسل واسترخاء تشجع على ذلك التعليمات الرسمية التي تقلل من ساعات العمل وتشجع على الكسل، وقد نسينا جميعا أن رمضان وعلى امتداد تاريخ أمتنا في مراحل نهوضها الحضاري كان شهر انتصارت وفتوحات وتحولات كبرى، ولم يكن أحد من المسلمين يتذرع بالصوم ليتقاعس عن الجهاد أو عن غيره من صنوف العمل والعطاء، حتى أضلنا زمان صرنا فيه نحيل عجزنا وكسلنا وقلة حيلتنا على رمضان، فجعلناه شهر كسل لتبرير ذلك كله، وهذه كلها شواهد تؤكد أننا لم نأخذ من عبادات الإسلام إلا مظاهرها دون أن نعي جوهرها، ولعل غياب هذا الوعي سبب رئيس من أسباب انتشار التطرف والتعصب والتكفير، فكلاهما المتعصب والمتساهل لم يأخذ من الإسلام إلا بعض المظاهر دون أن يدرك الجوهر، وأكثر صور غياب الوعي ما نشهده خلال رمضان أعاده الله علينا وقد صرنا إلى خير مما نحن فيه، وأول الخير أن نستعيد وعينا الذي يمكننا من إدراك جوهر الأشياء وأولها جوهر عباداتنا.
الراي