مرّت سنوات الخير مع عبدالله الثاني كأنها الأمس، يا الله كم يتسارع الزمن بعد الستين. لكنَّ التغيرات تحدث دون ان نستوعبها لأننا نفتقد قيادات الجماهير.. وبقينا ننتظر الأعجوبة على يد الملك، في زمن لم تعد فيه أعاجيب.
- غيّر عبدالله الثاني في الداخل الكثير. ولم يقبل تأجيل الإصلاح السياسي، لأن الظروف من حولنا مخيفة. عدل الدستور، واجترح المحكمة الدستورية، وتعاملت الإدارة مع كل الأحزاب في حين تلاحق الأنظمة في المنطقة الأحزاب بالحبس والاغتيال. وقررت الدولة ان تموّل هذه الأحزاب من ميزانيتها. فالنظام السياسي لا يقوم على الملك وحده.. وإنما على منظمات المجتمع المدني. وككل دولة ديمقراطية تكسب المزيد من مشاركة الناس في إدارة الحياة العامة، عدنا إلى مشروع اللامركزية القديم لنجعل من كل محافظة «دولة» لها رئيس وزراء ووزراء، ومجلس محافظة منتخب معادل للمجلس النيابي.
- وغيّر عبدالله الثاني الكثير في علاقاتنا بالخارج: فقد كانت علاقتنا بالسعودية وبأميركا وبالاتحاد الروسي وأوروبا غير مرتبة، فجعلها مجدية، وجعل الاردن شريكاً للقوى الاقليمية الفاعلة والقوى الدولية النافذة.
أميركا كانت قائد العالم الحر، وكنا من هذا العالم لكن علاقاتنا بالرؤساء وبالإدارة لم تكن متوازنة. ففي عام السلام الأردني - الإسرائيلي برعاية وكفالة الولايات المتحدة، كانت المنحة الاقتصادية سبعة ملايين دولار فقط. الآن نحن الدولة الأبرز في تعامل الإدارة الأميركية. فنحن لنا لوبي في الكونغرس، والرئيس يرفع المنح للأردن إلى مليار دولار في العام. ويوقع على كفالة دين سندات اردنية تباع في اوروبا لمدد معقولة وبفائدة مخفضة. والإدارة تسلح جيشنا تسليحاً رفيعاً أكثره من المنح السنوية.
مع السعودية ودول الخليج العربي كدنا نصبح عضواً في مجلس التعاون، لكن الهدف بقي كما هو: إعطاء الأردن فرصة للخروج من المأزق المفروض عليه بمنحة كريمة تخلّفت عنها دولة قطر، وها نحن امام اول اجتماع لصندوق التنمية الاردني-السعودي، وخلال هذا الاسبوع سينعقد مجلس ادارته في جدة برئاسة الامير محمد بن سلمان، والرئيس هاني الملقي، وعلى الاجندة مشروعات مهمة تنتظر الشراكة المربحة للشريكين، وهناك ترتيبات مماثلة مع الامارات العربية المتحدة، وربما الكويت فالاردن هو الاقرب لهذا الكيان العربي الممتد من مضيق هرمز الى شط العرب، ومن الخليج الى البحر الاحمر.
وعلاقتنا بروسيا فهمناها على حقيقتها، فالاتحاد الروسي ليس الاتحاد السوفياتي، لكنه قطب دولي اساسي في هندسة مستقبل العالم، ولم ينتظر عبدالله الثاني موافقة اميركية، واقام علاقة مميزة مع الفريق الروسي، وامس ذكرنا وزير الخارجية لافروف بان مشروعنا النووي بدأ بالتعاون مع موسكو، وبكين.
لا يمكن اختصار اعوام قيادة عبدالله الثاني بهذه العجالة، لكن علينا ان نفهمها، فالقائد هو جيشه: هو الشعب الذي يفتح الطريق الى المستقبل، ولا يقعد بانتظار حدوث المعجزة، فالنظام السياسي الرابح هو المسيرة التشاركية بين عقول المواطنين وسواعدهم.
نحن بعد سبعة عشر عاما من قيادة ابي الحسين، نشعر باننا اكبر واقوى واكثر استبشاراً بالغد الاخضر.
الراي