تنشط المؤسسات الدولية المالية والمؤثرة الكبرى والصغرى ، هذه الأيام لعقد ورش عمل ومؤتمرات دولية ، تتعلق باللاجئين السوريين ودعوة الدول المضيفة لتوطينهم ، من خلال العديد من الإغراءات وحتى التهديدات ، على طريقة العصا والجزرة ، من خلال التعهد بخلق تنمية مستدامة ضخمة في دول جوار سوريا ، لا تشمل اللاجئين السوريين فقط ، بل يتمتع بها أهالي الإقليم الذي يشمل كلا من الأردن والعراق ولبنان وتركيا ، ولا شك أن الأردن سينال حصة الغضنفر من هذه التنمية ، لأن مناطق الشمال التي تؤوي غالبية
اللاجئين السوريين ، تصنف على انها مناطق ذوي دخل أقل من محدود ، ويزمع البنك الدولي تأسيس مدن إقتصادية وصناعية ضخمة خاصة في الأردن لتوفير فرص عمل للأردنيين والسوريين المقيمين في الأردن على حد سواء.
ولا ننسى بطبيعة الحال تعهدات مؤتمر المانحين الأخير في لندن ، التي تبلغ نحو سبعة مليارات دولار ، هي حصة الأردن من المساعدات الدولية لتحسين ظروف اللاجئين السوريين ، ناهيك عن المساعدات الدولية والخليجية التي تتدفق على الأردن للاجئين السوريين ، وبدأت مناطق اللجوء تنال حظا من التركيز الدولي على اللاجئين السوريين حتى لا تحدث إنفجارات بين المواطنين الأردنيين واللاجئين السوريين ، ويكون المجتمع الدولي بذلك قد أعفى الحكومات الأردنية المتعاقبة من مسؤولياتها التي لم تقم بها أصلا تجاه المناطق الأردنية الأقل حظا ، ونستطيع القول ان مصائب قوم عند قوم فوائد.
آخر فعالية دولية نظمها البنك الدولي ومؤسسات دولية فاعلة أخرى قبل أيام في عمّان ، شاركت فيه كإعلامي ، حضره العديد من المسؤولين الدوليين للتباحث في إحتياجات بلديات المتوسط التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان والعراق وتركيا ، بهدف تحسين أوضاعها وأوضاع اللاجئين السوريين فيها.
ركز المؤتمرون على ضرورة توفير الأمن الغذائي للجميع ومن ضمنهم بطبيعة الحال اللاجئين السوريين ، من حيث تأمين الغذاء من خلال الزراعة والتنمية المستدامة والإنتاج وبناء مدن إقتصادية ، أي أن الأمور تحولت من عملية إغاثية إنسانية ، إلى عملية سياسية تنتهي بتوطين السوريين في دول الجوار السوري ، وما حيرني أنني لم أسمع أحدا ينادي بضرورة إعادة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا وهربا من الموت .
القضية مختلفة هنا ، فالمأساة السورية مضى على تفجيرها نحو خمس سنوات دموية بإمتياز ، ورأينا قطبي المجتمع الدولي الرئيسيين أمريكا وروسيا يتقاسمان مع نظام الأسد عملية سفك دماء السوريين ، وسجل المجتمع الدولي فشلا دوليا ذريعا فاق الفشل الدولي في التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية يرضي الفلسطينيين ، وبات واضحا أن مايجري في سوريا هو وفق الجندة الإسرائيلية التي قررت إبقاء الأسد رئيسا لضمان إستمرار تفجير سوريا وتخريبها بالتعاون مع وكيلهم الحصري أبا عن جد بشار الأسد.
كنا نرى أقطاب مجلس الأمن الخمسة عند إندلاع الحروب العربية – الإسرائيلية الممسرحة ـ يتنافخون حرصا على السلم الدولي ، ويطلقون نداء لوقف إطلاق النار بعد ضمان تسلم إسرائيل للأراضي العربية المتفق عليها ، لكنهم في الحالة السورية على سبيل المثال والحالة الليبية والعراقية وحتى المصرية ، لا يحركون ساكنا إثباتا على ان ما يجري في المنطقة العربية هو من صنعهم .
كما أننا لم نسمع أن المجتمع الدولي قد أبدى أدنى إهتمام بالمناطق الريفية العربية الأقل حظا ، كما نراه هذه الأيام بعد ان تدفق عليها اللاجئون السوريون ، علما أن الغرب كان يتخلص من القمح والتفاح والمنتجات الغذائية الزائدة عن حاجته بإلقائها في البحر للأسماك ، حتى لا ينخفض سعرها في السوق العالمية حسب نظرية العرض والطلب.
كان بإمكان المجتمع الدولي ان يطلب من الأسد مغادرة سوريا حقنا لدماء السوريين لكن هذه القوى لم تفعل ذلك ، لأن الرغبة الإسرائيلية إقتضت بقاء الوضع على حاله في سوريا ، كما فعل المتصهين بوش الصغير عندما أمره بإخراج جيشه من لبنان ، بعد إغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري عام 2005 ، وما نسمعه من امريكا عبارة عن حديث يتسم بالرخاوة والرعب من قوة خفية أخرى تتحكم في الموقف ، إلى درجة أنها وبصفقة ما سمحت لروسيا بالتدخل العسكري في سوريا ، علما أن النظام السوري محسوب في حقيقة أمره على قائمة عملاء أمريكا بحسب شهادة وزير خارجة أمريكا الأسبق "العزيز"هنري كيسنجر ، بعد إنتهاء حرب حفر الباطن الذي شارك فيها نظام الأسد ضد العراق ، وقال بكل الصراحة المعهودة ان تلك الحرب كشفت عملاء لأمريكا ، ما كان يجب أن يتم كشفهم ، وعند سؤاله عن المقصود أجاب بشفافية أنه يقصد حافظ الأسد .
ما يجري في سوريا على وجه الخصوص وفي فلسطين والمنطقة العربية يدل دلالة قاطعة على أن القوى الكبرى التي يتشكل منها مجلس الأمن الدولي لا تسعى لضمان وتحقيق السلم الدولي ، بل تؤجج الصراعات الدولية وما أكثرها لتنشيط أسواقها وضمان دوران عجلات مصانعها وتوريد أسلحتها .
كنا نقول ان المأساة الفلسطينية كشفت نوايا وتوجهات القوى العظمى ، لكن المأساة السورية جاءت شاهدا أكبر ، على سوء نوايا هذه الدول التي تسعى لتخريب العالم من اجل تقوية ذاتها ، دون الأخذ بعين الإعتبار أن هناك حضارات سادت ثم بادت.