على شدة اصرارنا على المعرفة او ادعاء المعرفة ما زال الفارق شاسعا بين المفاهيم التي نسردها ونعلكها مثل خضار الموائد، دون تدقيق وتمحيص، فتفلت منّا بعض المصطلحات وتضيع في الزحام مدلولاتها ودلالاتها، ثم نصاب بالدهشة حال انفلات الامر نتيجة ضياع المصطلح ودلالته ونبدأ بمعالجة النتيجة كما العادة دون معالجة السبب.
خلال محنة اليوم الاول من رمضان الكريم التي استفقنا فيها على استشهاد خمسة من زينة الشباب واحلاها، كدنا ان نزّل ونقع في المحظور ونحن نترقب انبلاج فجر الثأر بالقاء القبض على «القاتل/القتلة» ومن ثم معرفة دوافع الجريمة وآلية الاستعداد لمواجهة القادم فنحن حققنا نجاحات لا يمكن اغفالها والحادثة الاخيرة على وجعها لا تنتقص من نجاحات فتية آمنوا بربهم، لكنها تدفعهم الى المزيد من الجهد وقراءة المتغيرات بحزم وحسم وهو امر يستطيعون مواجهته والاستعداد له فهم يمتلكون الكفاءة والخبرة.
خلال محنة اليوم الاول من رمضان وما قبلها من أحداث كنا نشتم رائحة الوطن بأعلى من قوة الدولة وهيبتها، وكنا كلما حاول فرد او وغد ، تجاوز حدود الوطن نلجمه كأردنيين ، فاجتزنا كل الصعاب والمسالك الوعرة بفضل الوطنية الاردنية التي حمت الدولة الاردنية وهذا أول واكبر اسباب نجاح الدولة الاردنية واحد ابرز عوامل نجاحها وسط الاقليم العاصف والمضطرب ووسط جيرة جغرافية دائمة الركوب على خيول القلق.
الدولة اختراع بشري قابل للتطور والتراجع او الثبات مثل اي اختراع آخر، وهناك اختراعات اكثر تطورا من اختراعات مشابهة لنفس الفكرة ، فثمة دول كانت اكثر مرونة في الاختراع وعوامل التطور من دول مجاورة او بعيدة وتحمل نفس السمات البشرية والجغرافية، ورأينا كثير من القوانين والانظمة تتغير وتتحرك سلباً او ايجاباً لصالح الدولة - اي دولة - فتتطور الدولة او تتراجع وهناك دول بقيت على اول نسخة من الاختراع رغم ان اختراعات اقل مثل الهاتف انتجت سبعة اجيال.
ما يحمي الدولة هو الوطنية وليس غيرها، وتحديداً الدولة التي تعيش ظروفاً جغرافية صعبة وظروفاً داخلية اصعب ولم تحسم بعد الكثير من الاسئلة الحرجة ديمغرافياً وجغرافياً، وما زالت بحاجة الى تطوير وتحديث القوانين والتشريعات لحماية المنجز او الاختراع البشري الذي يحمل اسم «الدولة».
من يقرأ تفاصيل الحكاية الاردنية منذ التأسيس حتى اللحظة سيعرف جيداً ان الوطنية الاردنية هي التي حمت الدولة وان الدولة كانت تنجح دائماً على الخارج ، بقوة استثمارها في الوطنية الاردنية وليس غيرها، فالوجدان والشعر والهجيني والعشيرة كلها مفردات وطنية نجحت الدولة بالاستثمار فيها شرقاً وغرباً وكلما ابتعدت الدولة عن الاستثمار في الوطنية كانت تفتر وتضعف ومن يقرأ حكاية الربيع العربي سيعلم جيداً ان الوطنية الاردنية اسندت الدولة وجعلتها تتجاوز الازمة، لكن الدولة عليها ان تستثمر اكثر في الوطنية وتحافظ عليها وتصون مفرداتها لتحصين الدولة واسنادها في مواجهات قادمة وقائمة.
الدستور