كان العرب في الجاهلية يتوقفون عن القتال في الاشهر الحرم، لكن عرب مابعد الجاهلية، يواصلون القتال في الشهر الكريم، فلا هدنة، ولا استراحة، ولا حرمة للشهر الكريم، فنرى الموت الدموي، في كل مكان، من سوريا الى ليبيا، ومابينهما.
كيف يمكن ان يقال هنا ان عرب الجاهلية أكثر سوءا، على مافيهم، من نقاط ضعف، وتجاوز في فهمهم للدين والحياة، فيما من يفترض انهم على صلة بالدين هذه الايام، واكثر وعيا وتأثرا بالقيم الانسانية العابرة للحدود، يلونون رمضان بالدم، ويجعلون العيد مسبقا، عيدا دمويا، امام عدد القتلى والجرحى والمشردين؟!.
هذا يعني ببساطة اننا اسوأ بكثير من عرب الجاهلية، فأولئك كانوا يتوقفون عن حروبهم، لاعتبارات قبلية، ومن باب التفاهمات المتعارف عليها، وصيانة لحرمة الاشهر الحرم، فقد كان فيهم بقايا من الاديان السائدة، او المتوارثة، وقد جاء الاسلام، بقيم نقية ايضا، حدد فيها معايير كل شيء، من معاملة الاسير، وصولا الى حقوق الاطفال والنساء وكبار السن وغير ذلك، فماذا يمكن ان نصف هويتنا اليوم، فلا نحن عرب جاهلية، ولاعرب اسلام؟!.
بعيدا عن التجريح من جهة، والمزاودات من جهة اخرى، كيف يمكن ايضا ان تكون هذه حروب مباركة، ينتصر فيها احد على آخر، اذا كان الكل يكسر حرمة الشهر الفضيل، ويقتل الاخر، فلا ردتنا طفولة، ولا نهانا خوفا من الله، ولا تأثرنا بدم وبكاء؟!.
هنا المشكلة.الاسلام بات شكليا عند اغلبنا. فلا الصلاة تغير سلوك صاحبها، ولا الصيام يهذب النفس، ولا المعاملات تجري بشكل اخلاقي، فماذا تبقى من الدين، غير مظهره، دون ان نستثني هنا، نفرا قليلا باطنه يتأثر بظاهره المتدين، ويتطابق السلوك مع العنوان؟!.
لو ذهبنا الى صلاة الجمعة لما وجدنا مكانا في المسجد، والامر ذاته في صلاة التراويح، والكل يخطب عليك بالاخلاق ومايجوز ولا يجوز، لكنك في غمرة وجودك بالمسجد، تعرف في قرارة نفسك ان اغلبنا يؤدي طقسا، فقط، والا من الذي يعق والديه، ويسرق ارث شقيقته، ويأكل حقوق العامل الوافد، ويهجر رحمه، ويتعامل بالربا، ويشتم نهارا وليلا، ويؤجل اداء الحقوق، ولا يجيد عمله، ويماطل في اداء عمله، وفي الاغلب اكثر هؤلاء نراهم في الجمعة والتراويح، ولايتغير سلوكهم ابدا، فهي عبادات تؤدى بلا روح، ولانرى اثرها على وجوهنا ولا حياتنا، ولا يتغير سلوكنا، فنحن لانتحدث هنا عن اشباح، بل عمن نراهم يوميا.
هي ذات الفكرة.تفريغ الدين من الروح، وتحويله الى دين شكلي، والا ما استمرت الانظمة ولا الثورات، في الاقتتال في رمضان، بحيث يموت الابرياء، ويتشرد المساكين، والكل هنا، يجد من شرعن له المذابح في رمضان، باعتبارها تحصيلا حاصلا، وامرا لايمكن وقفه؟!.
لاجل كل هذا، لاتقولوا لنا، ان المسلمين بخير، ولاتعدوا علينا عدد المعتمرين والمصلين، مالم نرَ روح الاسلام، قد تجلت في حياتنا، وبغير ذلك سنقتل في رمضان، وسوف نسرق حقوق الاخوات، في الارث، ونكيد لجيراننا، ونسترجل على العامل الوافد، ونبيع ونقسم في رمضان وغير رمضان، اقساما كاذبة، ونتطاول على الجار.
من الفتن الكبرى الى اصغر افعالنا، يأتي السؤال: كم تبقى فينا من اخلاق محمد صلى الله عليه وسلم، دون اتهام للناس في نواياهم، لكننا نؤشر على الظاهر فقط، والسؤال ينطبق عليكم، وعلى كاتب هذه السطور ايضا، فلست احسن حالا منكم.
الدستور