أنس الطراونة : كاتب ومحلل سياسي
كثيرون من كتبوا عن تنظيم داعش الإرهابي , وكثيرون من توعدوا لداعش , ولكن قليلون من تحدثوا بواقعية عن أسباب ظهور داعش , وما هي طرق الوقاية والحد من تمددهم .
من نظرة الإعلام في الوطن العربي المأزوم فكرياً , وشخصيات حكوماته الهلامية , يُرجِّح بأنّ سر قوة ظهور داعش لأسباب عدة : منها ما هو في ظن البعض والذين يعانون من داء نظرية المؤامرة الكونية بأنها صناعة إستخباراتية دولية تخدم مصالح جماعية مُشتركة في المنطقة لهذه الدول بغية إنشاء شرق أوسط جديد , ومنها من يلقي بأصابع الإتهام إلى دول محورية شرق أوسطية لتمرير مصالحها عبر هذه التنظيم , ومنها ما يتهم الدول الغربية في إستخدام هذا التنظيم للحرب بالوكالة عنها , وأيضاً منها من يُـفلِس فكرياً ويلجأ للخطاب الديني لتفسير لغز ظهور داعش السريع واصِفاً إياه بأنه من علامات أخر الزمان مستنداً بذلك على أحاديث دينية ضعيفة . في حقيقة الأمر قد لا ننكر ونختلف مع بعض الأسباب السابقة لأزمة التنظيمات الإرهابية , في ظل سباق هيمنه دولي يسعى لِـ ركوب موج الأزمات وإستقطابها لصالح أنفسهم , إلا أنه من الخطأ النظر لهذه الأسباب وتفسيرها ضمن قراءة خارجية فقط , فقراءة المشهد الداخلي لتأسيس ظهور هذه التنظيمات وكيفية تحولها من تطرف إلى إرهاب هو الأجدر وهو الذي يجب كبح جِماحه والتمعن في أسبابه , حيث تبلور هذا التطرف على مظاهر عدة ( دينية وطائفية وإجتماعية وأمنية وثقافية ) ولكل من هذه المظاهر أبعاد وتفسيرات عدة لسنا بصدد شرحها ولكن بصدد المقصد منها جميعاً . فالتطرف داخل الدول العربية والدولة الأردنية هو آفه صنعتها الحكومات بيدها بقصد أو غير قصد في ظل تقصير تام على كافة الأصعدة , وانقطاع للحوار مع المواطنين , مما زاد في اتساع هذه الفجوة , وأصبح من الصعب السيطرة عليها وتطورها من الصعيد الفكري إلى الصعيد العملي (الدموي) كما شاهدنا وسنشاهد .
وبالعودة للشأن الأردني تحديداً واستذكار آليات حكوماته المتعاقبة الباليه التي تختلف شكلياً وتتشابه جوهرياً , فهي المسؤوله عن تفعيل التأزيم والتطرف داخل الشارع الأردني , حيث قامت هذه الحكومات على زج المواطن بعجلة إرتفاع الأسعار في كل فترة أتاح لها ذلك , من دون سابق إنذار ومن دون مراعاة لظروف المواطن اليومية البائسة في ظل وطن يشكو من شح للوظائف والمصادر , وفي ظل مستنقع احتجاجات شعبية تعصف بدول الجوار , إضافة إلى ذلك تركيز اهتمام الحكومة على النخب السياسية ومنطقة جغرافية على غيرها , ضاربة بعرض الحائط إرادة شعب من المفترض أن يكون مصدر السُلطات والقوانين .
أيضاً اقترفت الحكومة الأردنية خطأ جسيم أخر ساهم في تفشي ظاهرة التطرف وهو بالإبقاء والتساهل على بعض القنوات الخارجية المُأدلجة مفتوحة مع جماعات الداخل "الديماغوغية" التي تعصف بفكر المواطن المتردي الأحوال , والمُتعطش للتغيير عن طريق إغراءه بشعارات رنانة ووعود أفلاطونية , وهنا يصبح المواطن المتطرف جزءاً منهم ويعمل على التأثير لصالحهم عبر التواجد والتأثير على المحافل المجتمعية الداخلية من جامعات ومؤتمرات وندوات ولقاءات تلفزيونية , أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تبدأ تغريداتها وتنتهي بعبارات طائفية ومتطرفة مقيتة تنم عن سطحية مدوِّنيها , ويظهر هُنا عمق أثر "متلازمة ستوكهولم" على هؤلاء الضحايا , والتي تعني في علم الجريمة بأنها ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مع من أساء إليه بشكل من الأشكال ، حيث يظهر بعض علامات الولاء له تلقائياً دون أن يعي ذلك , مثال على ذلك : أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف دون إدراكه للأسباب .