يطأطيء الحبر رأسه , يبكي بصوت مبحوح , يرفض أن يوشح صاحبه بالسواد , فلا سواد لمدى ليس له آخر , ولا غياب لحضور لا يغيب .
روحك تجلس على ذراع الغيم , تسخر من أطيافنا , تتمدد فينا بخشوع
فنفيض ويفيض نورك , يفيض , يفيض فتضيق الملكوت .
أنفاسك نائمة في كل ذرة تراب , بكل وقار وسكينة , تصرخ في وجه الأقزام والقتلة : باق هنا فغادروا , هي ذي شمسي وعباءتي , ورائحة حبيبتي مغمسة ببرتقال يافا , سأبعث يوما من موتي , استرد عذريتها من سماء رحلت .
من التراب إلى التراب , التراب يخجل من صاحبه , فثمة فرق بين روح تتجول فيها الغيم , وروح لا روح فيها , روح تجلس على ناصية الطريق , تفتش جيوب العابرين عن زيتونة هربوها من القدس .
ينكسر الليل على شرفة الشعر , تضيء قصائده من زيتونة لا شرقية ولا غربية , تضيء ولا تنطفيء , صراخ أطفال لم يولدوا, درويش حي لا يموت .
علمتنا كيف نعشق خبز أمهاتنا وكيف نحن إلى أحضانهن , كنا نؤوب إلى قصائدك فتتراءى أمهاتنا من فوق الأسلاك الشائكة , فنعبر , فنعبر عائدين عبر حروف القصيدة ... أمهاتنا الآن يزغردن لعودة النبي , والقصيدة فيها خبز وفيها حضن وفيها حنين وفيها تابوت طرزته دموعهن , لابن يعود , أو قد يعود .
أطفالي الثمانية لا زالوا هناك , يسجلون أرقام اللجوء التي لا تنتهي , يجلسون أمام الخيام, كنت معنا في رحلة الذهاب , كانت حروف تبغض طريق الجسر الطويل , تذكّر الفارس أن لا يغفو إلى جدار بندقيته , فمن يغفو في زمن الثورة يموت . فمن يكون معنا ونحن في طريق عودتنا ؟ لعلك سبقتنا , تنتظر هناك , لعلي أراك في ظلك في الغيم تنتظرنا في يوم لا ظل فيه إلا ظلك الجليل .