أنس الطراونة : كاتب ومحلل سياسي في العلاقات لدولية
من فرضية مفادها " لكي تتصدى الدولة للتحديات الخارجية يجب عليها إعادة ترتيب بيتها الداخلي " تنطلق بذلك الدول في صياغة سياساتها ضمن العلاقات الدولية . تشهد الدولة الأردنية هذه الأيام في ظل مئوية الثورة العربية الكبرى إعادة ترتيب وتنظيم لبيتها الداخلي ضمن رؤيه وخطاب ملكي ينشد الإصلاح عبر تجديد السُلطتين التشريعية والتنفيذية اللّتين أثقلتا كاهل الأردن بالمديونية والفساد في كافة مرافق الدولة . في المقابل نجد الشارع الأردني من كل هذا التجديد غير متفائل ليس لأن الشعب يملك أفكار طوباوية لن تتوائم مستقبلاً مع السُلطتين , بل لأنه يوجد أزمة ثقة مُتراكمة بين الشعب وممثليه وحكومته عبر السنوات السابقة تمثلت في سحق طموحات هذا الشعب الطامح وإنكارها .
من خلال ما سبق تبرز أهم التحديات السياسية للداخل الأردني والمتمثلة بأزمات عدة من أبرزها أزمة الثقة بين الجماهير والدولة وبالتالي لا بد من استعادة ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها وهذا لن يتحقق في ظل عدم احترام القانون وغياب العدالة وغياب الشفافية والنزاهة وانتشار الفساد الإداري والمالي . أيضاً أزمة النخبة السياسية التراجيدية الممله والمعاد تدويرها اليوم في ظل دوله شبابية تحتل 70% من تكوين نسيج هذا الوطن فهذا فاضح جداً في عالم ديمقراطي يسعى إلى طاقات الشباب لإحتوائها , إضف إلى ذلك فالنخبة السياسية الحالية اليوم أصبحت عاجزة تماماً عن استلهام رؤى وتطلعات القيادة واستحقاقات المرحلة القادمة لدرجة يمكن القول أن النخبة السياسية الأردنية اليوم تعاني من إفلاس وغياب في الرؤيا وانعدام في المصداقية وفقدان ثقة الجماهير واحترامها , لا سيما أن مواقف هذه النخبة قد اتسمت بالانتهازية , والمزايدات , والشعارات ، وشِراء للضمائر , وساهمت في انتشار الفساد بكافة أطيافه وأِشكالة في دولة قانون لاتستطيع أن توقف أحداً منهم ولا نعلم السبب للان !! إذاً فأصبح انسحاب هذه النخبة اليوم من العمل السياسي مصلحة وضرورة وطنية مُلحة , فالمرحلة الجديدة تحتاج إلى برامج وأفكار وقيادات شبابية محنكة لديها خط ورؤية واضحة لمستقبل الدولة الأردنية والمنطقة , وتنتهج سياسة عقلانية وسطية تفهم لغة العصر وتتحدث باسم الدولة في المناسبات والمحافل الدولية . أيضاً أَضِف إلى جملة التحديات الأردنية الداخلية التي تواجها اليوم الأزمة الإقتصادية , والتي كان لها المسبب الأكبر ما سبق ذِكره في تفشي الفساد وتعطل الرؤية من أصحاب القرار والنخب السياسية الضعيفة , أيضاً من مسببات الإزمة الإقتصادية الدعوات المتطرفة التي تنادي برفع يد الدولة الأردنية كلياً عن الاقتصاد وتركه يسير وفقاً لما تمليه الأسواق العالمية والتي تتعامل مع الأردن بمنطق الشراكة (الخصخصة) دليل واضح على عمق الأزمة الاقتصادية , فالدور الإقتصادي الوطني دور حيوي ومركزي لايمكن الإستغناء عنه ، وهنا يجب معالجة الخلل والضعف في مؤسسات الدولة الإقتصادية بدلاً من تركه في أيدي أسواق الدول الأُخرى , وإنتهاج منهج التجربة الماليزية بتحقيق النمو الإقتصادي , لكي لا تبقى الدوله تابعه لأيدي الدول الأُخرى إقتصادياً وسياسياً.
أما بالنسبة للتحديات الخارجية تعاني دولة الأردن كسائر باقي الدول العربية من جملة من التحديات الخارجية , لاسيما وجودها في رُقعة جغرافية ملتهبة بالصراعات والحِراكات منذ بداية ما يُسمى بالربيع العربي والذي فتكَ بأنظمة عربية ونشرَ الفوضى في المنطقة برمتها . حيث جاءت هذه الحراكات على أساس انتشار الفساد والركود الاقتصادي , واحتكار الحياة السياسية , وتردي الأحوال المعيشية في هذه الأنظمة ، إضافة إلى التضييق السياسي والأمني , وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية.
حيث ساهمت جميع العوامل سابقة الذكر إلى تفشي ظاهرة التطرف والإرهاب وتوفير مناخ عام يتيح لِـجماعات متشددة كـ "تنظيم داعش الإرهابي" إلى خلق حاضنة جيوبوليتيكية لهم كالتي في سوريا والعراق , ولم تكتفي بذلك بل تحاول جاهده إلى تصدير تنظيمهم إلى أغلب الدول العربية وعلى رأسها الأردن . وفي هذا الصدد تبرز وتتجلى أهم صور تحديات الدولة الأردنية وأمنها للتصدي لهذا التنظيم الفاشي , حيث تقع الأردن في وسط هذه الدول الملتهبة بالإرهاب وعدم الاستقرار . إضافة لذلك يوجد تحديات خارجية أُخرى ناتجة لِما سبق كـ تدفق اللاجئين إلى الأردن في ظِل شح الموارد والإمكانيات الأردنية , وتقصير المجتمع الدولي بدعم الأردن واللاجئين , لهذا فان أزمة بحجم أزمة اللاجئين في الأردن لا يمكن أن تحل اليوم عبر استجداء المساعدات ، و التعويل على تنظيم المؤتمرات و اللقاءات . أيضاً من جُمل التحديات التي تخشاها الأردن وأهمها " الملف الفلسطيني" وتفاقم الأوضاع في الضفة الغربية وهو ما تحاول أن تصبو إليه الإدارة الإسرائيلية في تصدير الأزمة إلى الأردن , فالسياسة الخارجية الإسرائيلية تعتمد في التهرب من مسائلتها القانونية دولياً في ابتكار وصنع أزمة جديدة ينشغل بها المجتمع الدولي , فهذه السياسة وهذا النهج الإسرائيلي يشكل للأردن تحدي وتهديد للأمن الوطني الأردني . أيضاً من ضمن التحديات الخارجية للأردن إقحام الأردن نفسه في معادلات خارجية ليس طرفاً فيها وإكتساب بذلك عدو إقليمي قوي على حِساب صديق إقليمي ضعيف بذريعة مكافحة الإرهاب وكسب مساعدات مُستقبلية , إذا فما زالت السياسة الخارجية الأردنية تتخبط بين رمال الصراعات الإقليمية لتدرك نفسها وقُوتِها , وعلى هذا فقد ربطت الأردن نفسها كلياً وليس جزئياً بدولة أخرى إن زالت زالت معها وإن بقيت بقيت معها , وهذا غير وارد في علم العلاقات الدولية والسياسات الخارجية للدول الطامحه التي تبحث عن مستقبل في ظل عالم براجماتي .