من وحي احتفالات النهضة العربية
د. صبري ربيحات
05-06-2016 12:44 PM
خلال الأيام التي احتفلت بها المملكة بأعياد الاستقلال والنهضة العربية "الثورة العربية" استمعنا إلى أهازيج واستعرضنا وثائق وفتحنا استوديوهات للتحليل في كل محطة إذاعة وتلفزيون، وتوالت العروض والمهرجانات الخطابية في كل جامعة وجمعية وبلدية وافتتحنا العديد من المشاريع واستذكرنا تشكيلات القوات المسلحة التي انبثقت من الجيش العربي.
سمعنا روايات من أساتذة التاريخ وعلماء السياسة وقراءات قدمها بعض العسكريين عن الثورة ومحطاتها ومسيرة الأردن على خطى الثورة .. من بين كل ما قيل لفت نظري التحليل والوصف الذي قدمه الأستاذ الدكتور سعد أبودية أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية مساء يوم الجمعة خلال استضافته على شاشة التلفزيون الاردني؛ فقد قدم تحليلا منطقيا مقنعا ورواية غائبة عن الأحاديث والتحليلات الحماسية التي قدمها العشرات ممن تناوبوا على كرسي الاستوديو خلال ذلك اليوم.
الرواية التي قدمها أبو دية تستند إلى العمل البحثي الذي ما يزال تحت الطبع والمستند إلى وثائق الأمير زيد بن الحسين بن علي أحد أهم أعلام الثورة العربية والذي لازم شقيقه الأمير فيصل بن الحسين في سورية وتولى مهمة إدارة سورية خلال غياب الأمير في أوروبا في الأعوام التي تلت إخراج العثمانيين منها.
من أهم ما قاله الدكتور أابودية "أن لا خصومة بين العرب والخلفاء العثمانيين أو بين شريف مكة والسلاطين العثمانيين خلال فترة حكمهم للبلاد العربية الذي امتد لما يزيد على أربعة قرون؛ لكن المشكلة ظهرت بعد أن تشكلت جمعية الاتحاد والترقي وتبلور الاتجاه القومي الذي تنكر للكثير من الأسس والمبادئ والمنطلقات التي كانت تراعيها دولة الخلافة، وأظهر العداء إلى كل ما هو غير تركي. الجمعية القومية الجديدة كانت معادية لروح الدولة العثمانية التي تمددت شرقا وغربا واتسمت بقدرتها على استيعاب العديد من القوميات والشعوب والديانات من خلال احترامها للتنوع والاختلاف العرقي والديني.
النهضة العربية جاءت استجابة إلى ممارسات الاتحاد والترقي التي سعت إلى التتريك واستبعاد وإقصاء القوميات والشعوب الأخرى والتنكيل بهم، فسعت إلى تحرير الإرادة العربية وبناء كيان سياسي عربي يعمل على تحقيق الحرية والعدالة ويرفع عن الشعوب العربية الظلم والقهر والاستعباد.
خلال الاحتفالات التي جرت وعلى أهميتها كان من المهم أن يجري صياغة حكاية الثورة العربية قصة وأحداثا ومواقع وأبطالا، فهناك أكثر من ثلاثين معركة واشتباكا بين جيوش وكتائب الثوار من ناحية والجيش العثماني ومن معه من ناحية أخرى، وفي هذه المعارك كانت روايات وبطولات وتضحيات وقصص جديرة بأن تروى ليعيها الشباب والكبار ولتوضّح بعض الغموض الذي اعترى بعض المراحل والفصول.
في الطفيلة كانت واقعة حد الدقيق وهي المعركة الأشد التي جرت في شتاء 1918 تحت ظروف ثلجية عاصفة حيث التحق أهالي الطفيلة وقراها وبدو الحويطات والحجايا والمناعيين بجيش الثورة واطبقوا على القوة العسكرية العثمانية بقيادة حامد باشا فخري وألحقوا بهم هزيمة كبرى أسفرت عن مقتل وأسر المئات من العثمانيين وجنودهم؛ في حين خسرت جيوش الثورة العشرات من الجنود والمتطوعين كان من بينهم 38شهيدا من أبناء عشائر الطفيلة منهم ستة شهداء من قريتي عيمة إضافة إلى مئات الجرحى.
كنت أتمنى أن أرى صور الشهداء وسيرهم الذاتية في الميادين وكنت أحب أن أرى صورة عملاقة للشيخ عودة أبو تايه الذي استطاع أن يقتحم حامية العقبة بشجاعة لا مثيل لها. فأبناء الثورة العربية الكبرى هم أبناء وأحفاد الرجال والنساء الذين شاركوا في معاركها وأيامها وفقدوا أرواحهم أو أطرافهم... مبادئ الثورة وقيمها ورجالاتها يجب أن تكون في مناهجنا وميادين وساحات مدننا وأسماء شوارعنا وقرانا.
رجالات العقبة والحويطات والحجايا والمناعيين وعشائر معان والطفيلة والكرك والصخور ورجالات بني معروف وغيرهم من العائلات والعشائر الأردنية التي كانت وقودا للثورة يستحقون ان يُحتفَل بهم وتظهر أسماؤهم في المقررات المدرسية والأفلام الوثائقية والطوابع، وأن تظهر صورهم على واجهات المباني وشاشات العرض الالكترونية وأن تسمى مدارس قراهم وبلداتهم بأسمائهم، والشوارع والميادين والقاعات لكي نزرع في نفوس الأبناء قيمة الاعتزاز بالتضحية ولكي يشعر الجميع بأنهم شركاء في صناعة النهضة.
الغد