ومن اللهجاتِ العربيّة، أحبُّ مفرداتٍ، وسياقاتٍ، خصوصاً، تلكَ التي تغرقُ في المحليّةِ، وتضعُ اللغةَ في ذهنِ مَنْ يتكلّمُ، كما يتصوَّرُ، وَهُو يُلقيها في الصوت بين الحنجرةِ والشفتين، بما يندفعُ من هواء الرئة، على أوتار الحنجرة، قبل أنْ يلعقَ اللسانُ مرارةَ الحروفِ وعسلها، وربما يدعمها بالإشارة، ولا يأبهُ لمن يتلقى، حينَ تغيبُ الدلالة المشتركة.
يَقُولُ الأردنيُّ: يا هُمَّلالي. ومعناه شتانَ بين هذا وذاك. وغالباً، يسخرُ من حديثكَ، أو ينقضه، ويرفعُ يدهُ اليسرى تحديداً إلى أعلى من رأسهِ، لتفهم أنَّ كلامكَ لم يعجبه، أو أنه يتحسَّرُ على الحال. أو غير ذلك، وعليكَ أنْ تبحثَ عن ترجمةٍ ملائمةٍ، وَإِنْ لم تفهم، فَقُلْ له: اللهْ يعينْ الناس، وتلكَ تصلحُ في أيِّ سياق.
أماّ العراقيُّ، ذو اللهجة الحنونة (بالنسبةِ لي) على شدّةِ القافِ فيها، فيقولُ لك: تتدللْ، أو "عيني". وثمة "عيوني" أيضاً، وقد أعجبَ بها الجنرالُ الأميركيُّ شوارزسكوف في التسعينات، وقال إنَّ العراقيَّ يردُّ عليك، ليمنحكَ عيونه، وبما أنها من اللهجات المفضّلة عندي، ففي العراقية الجنوبية "چا"، ولا أجمل، ولا أعذب، وهي سومريّة، وَقَدْ أدهشتني في كتابةٍ سابقة، حينَ تحنُّ، وترقُّ: "چا، وشْْ حالة الچا. چا منك انتهْ".
السوريّة، تلك التي تمدُّ الحروفَ، إذا كانت شامية، وتحتاجُ مترجماً، حين يحدثكَ محمد مَلَص في "الليل". لغة الساحل، ولغةُ الفرات الأوسط، والبادية، ودير الزور. عليكَ أنْ تكونَ أردنياً، أو عراقياً، لتفهمَ الدلالَ عند السوريات، وتذوبَ، عندما تقولُ لَكَ شاميّة: "تُئبرني. تُئبرْ ألبي. تُئبر عظامي. تُشْكلْ آسي". حذارِ مَنْ أنكَ قد تختفي.
اللهجةُ المصريّةُ أمُّ الفتنة. كيفَ تنقلبُ الجيمُ الصحراويةُ الظمأى إلى "ق" خفيفة، ومرحة، ووديعة، لا يُمكنكَ أنْ تتخيلها، إلا إذا سمعتَ مصريةً، تقولُ، قَبْلَ أنْ تُزغرد " إنتَ تخرج(ق) ــتِ يا ممدوح. يا ميةْ ألفِ نهارْ أبيض".
وثمةَ سحرٌ لا يُفكُّ في "بزّاف" مغاربية، أو دعاءٌ دامعٌ في "ايعيْشك" تونسية. ودلعٌ، يتوخى الخشونةَ والجمال في اللهجةِ الخليجية، وعذوبة تبتسمُ دائماً في لهجة السودان، حيثُ الغاء التي تركلُ القاف. ينصحكَ السودانيُّ أنْ "تُثبتْ أغدامك". وهو يعني "أقدامك"..
لو أنَّ العربَ جميلون، مِثْلَ لهجاتهم..