لا أدري لماذا أعود لهذا النص «المزمن» الموغل في الاختباء وسط «أنتيكات» الأوراق، لأمسح عنه الغبار، وأقرأه، معكم، من جديد!
أم العبد في عرف الصديق المرحوم محمد طمليه ، هي زوجة طاعنة في الرتابة ، غالبا ما تكون سمينة ، ومتغضنة البشرة: ثمة نمش مزمن اتسع بعد أول مولود ، وهالات سوداء حول العينين لا تفلح مساحيق تنظيف البشرة في إزالة آثار عدوانه ، وبالتأكيد تعاني من واحد من عدد من الأوجاع المستدامة (وربما تجتمع كلها،): إما مشروع دسك في الفقرات القطنية ، أو قرحة في المعدة ، أو تهيج عصبي غير موسمي في القولون ، أو دوالي مستعصية في أكثر من منطقة ، إلى ذلك ، هناك «تحنيش» لا تستطيع إخفاءه يختبىء خلف كل فاصلة من كلامها ، يستند على مفهوم ورثته من جدتها الكبرى أم العبد الثالثة عشرة ، مفاده أن أبا العبد في وضع لا يسمح له إلا بالانبطاح في المحصلة أمام أي طلب تطلبه ، لأنها أم عياله وليس بوسعه أن «يلوي أذنه» أمام أي من إصراراتها في أي قضية تحتمل الخلاف ، وعادة كل القضايا التي تبحث في المطبخ أو غرفة القعدة وأم العبد «تقرم» البامياء أو «تقور» الكوسا تحتمل الخلاف،.
أم العبد ، سيدة ، أو هكذا يفترض ، أعني أنثى في الأصل ، لكنها خضعت بفعل عوامل الحت والتعرية و»الخلفة» وتقادم الزمن إلى خليط من الأنوثة والذكورة ، وبعض «أمهات العبد» تحتاج لمجهر نووي للتأكد من أنهن «زيّنا هالنسوان» على حد تعبير فتاة فاتها قطار الزواج في دير الغصون ، كما يروي الصديق الغائب خيري منصور،.
أم العبد أيضا ، أم بمعنى الكلمة ، ويخشى كثير من علماء الاجتماع المحدثين أن يكون هذا النوع من الأمهات في طريقهن إلى التحول إلى ديناصورات منقرضة ، فهن أول من يستيقظ في البيت وآخر من ينام ، ولديهن مخزون استراتيجي متجدد من الرؤومة (باعتبارها أما رؤوما) والحنان ، ولديهن قدرة على مد هذه الأمومة إلى الأزواج ، ومعاملة أبي العبد كواحد من الأبناء الذين لم تلدهم ، امتثالا بالمثل العتيق المُجدد: رب ابن لك لم يحمله بطنك ، كما يمتلكن قدرات في طريقها إلى الزوال لدى «أمهات العبد الديجيتال» مثل صناعة فطائر الزعتر ، وإعداد المفتول وخبز الشراك ، وفرم الملوخية يدويا (هوم ميد،) وحفر الكوسا ، ورثي الملابس (أو صناعة الرقع،) والقدرة الفائقة على تحويل بقايا القماش إلى مخدة أو جنبية ، أو مماسح للاستخدامات المتعددة ، وتحويل بقايا قطع الصابون إلى «فلقة» جديدة بعد دق هذه النتف جيدا وجمعها،.
أم العبد ، برغم كل ما تقدم مما يمكن أن يتوهم البعض أنها صفات غير إيجابية ، تستحق قبلة على الجبين وعلى اليد أيضا ، وهي أشد «أنوثة» وإثارة من كل أمهات العبد الديجيتال ، المايصات المائلات المميلات ، ولو لم يكن لديها غير خاصية التحول إلى أم رؤوم لأبي العبد لكفاها ، فهي ملاذ آمن من قسوة الحياة ونشرات الأخبار.
بالمناسبة، المقارنة هنا بين أم العبد الثالثة عشرة، وبين أمهات العبد «الديجيتال» لا علاقة لها على الإطلاق بأي مقارنات أو مقاربات سياسية معاصرة، ققد تستدعي مقارنة رجال الأمس برجال اليوم!
الحياة بدون أم العبد لا تساوي بصلة..
الدستور