لا ينكر عاقل تفاقم المشكلات الاقتصادية في الأردن ولكن ما لا ندركه فعلا هو جذور هذه المشكلات ومسبباتها الحقيقية منذ عشرات السنين. وصلت مديونيتنا الى ارقام خيالية متجاوزة نسبة ال ٩٠٪ من اجمالي الناتج المحلي وهو امر استرعى ويستوجب الاهتمام والتحري الموضوعي غير ان ارتباط الاقتصاد الوطني بالممارسات السياسية الكلية للدولة امر ايضا لا ينكره عاقل او متبصر.
الأردن دولة محدودة الموارد والامكانات وهذا لا شك فيه، غير ان امكاناته البشرية اثبتت انها من الكفاءة بمكان استطاعت من خلاله استدامة النمو في التعليم، الصحة، التكنولوجيا، والبنى التحتية وان كانت الاخيرة لا تمثل حجم التوقعات القصوى لها. الاردنيون بمجملهم من أبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة منخرطون في وظائف حكومية ويقومون بواجباتهم الوظيفية ومساهماتهم في الاقتصاد الوطني تتمثل بالانتاج الوظيفي كل حسب موقعه وبانفاقهم كل ما يدخل جيوبهم على مستلزمات حياتهم وهذه الإنفاقات تدخل الدورة الاقتصادية وتقوم بتنشيط السوق. تلك الطبقتين لم تشارك يوما بصناعة القرار السياسي ذو الأبعاد الاقتصادية وان كانت شكليا قد أنتجت مجالس نيابية كانت مفرغة تماما من النشاط السياسي البرامجي والضاغط بشكل فعلي ولم تقم يوما بإنتاج قرار سياسي اقتصادي وكانت توافق او تقر ما يأتيها من الحكومات المتعاقبة من قوانين ولم تساهم في اي تعديلات جوهرية وفي هذا مسؤولية جزئية على المواطن ولكن الجزء الأكبر منها يقع على عاتق المجلس، ولكن ليس بعد حيث ان قوانين الانتخاب منذ التسعينات لم تسمح بإنتاج مجلس نيابي حقيقي يمتهن السياسة برنامجا وأداءا ومحاسبة وشفافيةً.
الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ ستين عاما تقريبا حملت نفس الأسماء ونفس الوجوه ونفس التوجه وجاءت من نفس المدرسة التي تؤمن بان من كان جده وزيرا او رئيس وزراء فان حق الولاية العامة على الشعب يصبح موروثا ومكتسبا بطبيعة الحال وان هذه الفئة هي وحدها القادرة على حكم الشعب ورسم سياساته وتوجيه واستغلال مقدراته ذلك اننا نحن أبناء الطبقتين الفقيرة والوسطى لم نذهب الى جامعات المستوى المتوسط في أوروبا او امريكا ولم نكن يوما مسجلين في نوادي النخبة الثقافية او الاجتماعية ولم نشتري أرضا في عمون باموال الدولة ولم نستولي على صفقات تجارية من خلال مناصبنا الدنيا في الهرم الاداري ولم نكن يوما ممن يعتبرون سيارات الكيا والهونداي أمرا غير حضاري في عمان الغربية وما زلنا نستخدم أيدينا في الطعام ولم نتقن بعد فن التعامل مع الشوكة والمعلقة والسكين.
ليس بعد، كل الحكومات المتعاقبة قدمت برامجها وغادرت موقعها دون ان تُمارس عليها اي عمليات مساءلة وتقييم رقمي حقيقي لما انجزته او لما أفسدته ولم يقم المواطن فعليا بدوره وحقه المكفول دستوريا في محاسبتها وذلك نظرا للفجوة الكبيرة المتسعة بين ما نؤمن به حقا وبين ما نطبقه فعليا وتقديم التهاني والتعازي تطوعا ما هو الا مثال.
النخب الثقافية والاكاديمية دأبت على استضافة كل رؤساء الحكومات والوزراء السابقين في ندوات تشخيصية لواقع الاقتصاد الوطني والاقليمي وكلهم دون استثناء كانوا ينتقدون سلوكيات الحكومات والوزراء والمؤسسات الحكومية وكلهم دون استثناء استخدموا تقريبا نفس العبارات والجمل العامة المبهمة والتي تدل على مدرسة واحدة في النهج. ليس بعد، اذا كان الحال كذلك فمن اذا اوصلنا الى ما نحن فيه اقتصاديا ومن اذا مسؤول عن تفاقم البطالة والمديونية وعن انخفاض القوة الشرائية للدينار وعن انخفاض الاستثمارات الأجنبية في المملكة.
هل المواطن الذي لم يكن يوما جزءا فعليا من صناعة القرار او تطبيقه مسؤول!!! هل مجلس النواب الذي لم يمارس دوره المناط به دستوريا مسؤول!!!! كل رؤساء الحكومات عبروا عن المثالية السياسية والاقتصادية وعن اولوية المواطن في النهج والممارسات وعن أهمية النهوض بالاقتصاد الوطني وحل المشكلات وعن أهمية تقديم حلول عملية للمعضلات، كل أؤلئك السابقون واللاحقون عبروا عن ذلك وأكثر في المؤتمرات والندوات وكلهم انتقد كلهم ولكن حسب فعالية اللقب وتبادل الكراسي والأدوار بالتراتب والغريب انهم اي السابقون يجتمعون دائماً في الولائم والجاهات ويتم دعوتهم الى الندوات لتوجيه الانتقادات وتقديم الحلول ثم يستعيدون اللقب فترى منهم العجب العجاب وما ان يعودوا الى حالة " السابق" حتى نبدأ من جديد مسلسل الندوات والصالونات والتحدث على منابر النخب الأكاديمية والثقافية بدعوة من من يحلمون ايضا في الوصول يوما الى الحقائب التي ما فتأت تفتك بقوت المواطن والذي هو على الدوام مسؤول اما عنوةً او اختياريا عن ما وصلنا اليه.
وما زلت أعجز عن اجابة سؤالي : من المسؤول !!!!
مروان الشمري - باحث في الادارة والاقتصاد الاستراتيجي في جامعة تكساس والجامعة الهاشمية
marwanalshammari@gmail.com