إعداد - اسماعيل الخوالدة
"الثورة العربية الكبرى اول ثورة لتحقيق الحلم العربي في العصر الحديث"
بدأ الشعور القومي العربي بالتنامي في منتصف القرن التاسع عشر ، والفضل في ذلك يعود الى حركة التجارة الواسعة خاصة عن طريق السواحل اللبنانية، هذه التجارة اتاحت الفرصة للعرب للاطلاع على حركات التحرر القومية في مناطق اوروبا، وانتفاضة شعوبها التي اخذت تبحث عن هويتها واستقلالها، وتتحرر من مستعمريها ، فكانت هذه الرؤية التي تكونت لدى العرب وهم يراقبون الوضع العالمي ، فبدأت تتشكل الجمعيات السرية والمنتديات الادبية التي اسهمت في حركة الوعي العربي ، ولكن اخذت الاسباب تظهر وتتراكم ، والتي تدعو العرب للنهوض والثورة.
اسباب كثيرة وضعت العرب امام تحد كبير، ولكن بقيت الحاجة للقيادة الفاعلة القوية التي يمكنها ان تقود الامة نحو الاستقلال، وتوحد جهود العرب جميعا باتجاه السيادة العربية ، وبالتالي فان العرب قد توجهوا الى الشريف الحسين بن علي وطلبوا منه ان يكون القائد للثورة خاصة وانه الرجل الذي توفرت فيه خصائص خاصة منها: -
أ. أنه من سلالة الشرف العظيم المتحدرة من اطهر بيوت العرب من نسل النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .
ب. انه امير مكة وخادمها.
جـ. تتوفر له المكانة الخاصة بين قبائل العرب جميعها.
د. تميز بتوجهه نحو الاستقلال والسيادة ، وتوفرت له النزعة الكاملة لذلك منذ ان نفي الى الاستانة عام ,1893
وصف يوم اعلان الثورة العربية الكبرى واطلاق الرصاصة الاولى كان صباح يوم العاشر من حزيران من عام 1916 الموافق التاسع من شعبان 1334هـ يوماً يشهد التاريخ له ، وهو صورة التصميم العربي على تحقيق الأمل المنشود.
وورد في اوراق خير الدين الزركلي وصف لذلك اليوم هذا نصه: -
الرصاصة الاولى
الساعة 9 والدقيقة 12 عربية قبيل فجر السبت 9 شعبان سنة 1334هـ بينما الجيش التركي في مكة هادئ في ثكنة جرول والقلعة الحميدية ، والناس نيام والحوادث يقظى، خرجت الرصاصة الاولى من قصر الامارة من بندقية الشريف حسين ، فلم يبلغ صداها مسامع جيشه الكامن حول حصون الترك وثكنها ، حتى اندفع سيل النار من بندقياته ، فانتبه الترك مذعورين ، واسرع جندهم الى المدافع قبل ان تصل اليهم العرب ، فاطلقوا القنابل على مصاعد نيران البندقيات.
ولم ينشقَّ فجر ذلك اليوم الا وجنود الترك محصورون في حصونهم ، وقلعة اجياد المشرفة على احياء مكة ودورها ، تواصل القاء القذائف على كل مكان يتخيل لها ان فيه قوة من العرب ، واستمر بها الامر الى ان طاشت بها قذائفها فارسلتها على غير هدى في كل ناحية من نواحي البلد الامين ، واختصت بالعناية دار الامارة فاتخذتها هدفا حتى كانت الساعة الثالثة من الصباح.
مسارات الثورة العربية الكبرى في الارض الاردنية
نفذت جيوش الثورة العربية الكبرى عمليات عسكرية ذات مستويات مختلفة في المسرح الاردني في الفترة من الاول من تموز عام م1917 وحتى نهاية شهر ايلول م1918 وتحركت قوات الثورة العربية بطريقة تعبوية تتفق وطبيعة تسليحها ومسرح العمليات والاهداف التي تسعى لتحقيقها ، وشملت عملياتها كامل الارض الاردنية تقريباً ، وتحركت هذه الجيوش وفق خطط محكمة ، وبرؤية عسكرية دقيقة .
وعند دراسة مسرح العمليات فوق الارض الاردنية فاننا نجد ان القوات العربية قد تحركت ضمن عشرين مسارا نضيف اليها مساراً آخر مستقلاً هو مسار خط سكة الحديد وجميعها تداخلت فيما بينها ـ وقد تم تحديد هذه المسارات وفقاً للمعايير التالية :
الاول اتجاه حركة قوات الثورة العربية ـ والطريق التي تسلكها نحو هدفها ... الثاني تجميع اهداف القوة العسكرية الواحدة في خط مسار واحد بغض النظر عن الوقت الذي استغرقته تلك القوة في تنفيذها لعملياتها .
تميزت الارض الاردنية بانهاء اكبر ميدان لعمليات الثورة العربية الكبرى ، هذه التي ابتدأت من اليوم الاول بين شهر تموز عام م1917 وحتى نهاية شهر ايلول م1918 ، وكان ميدان الاردن ميداناً عسكريا وسياسياً ايضا.
القيادات العسكرية للثورة العربية في الاردن
1. مركز القيادة الاول (العقبة) كانت الوجه على ساحل البحر الاحمر هي القيادة العسكرية المتقدمة التي بها تم التخطيط لاحتلال العقبة وتم تجهيز الحملة العسكرية التي انطلقت يوم 17 ايار م1917 لتسير شمالاً الى مدائن صالح ثم باير وتبدأ عملها باتجاه العقبة..
العقبة بقيت مركز قيادة للثورة العربية لفترة وصلت الى ثلاثة اشهر ، حين غادرتها القوات العربية مع نهاية ايلول 1917 لتتجه الى معسكر الاردن وهو القويرة والذي يبعد حوالي 75 كلم شمال العقبة .
2. مركز القيادة الثاني (القويرة) وهو المركز الثاني لقيادة القوات العربية وبه تم وضع الخطط الكاملة للزحف شمالا وغربا لتحرير الارض العربية ، والقويرة هي الارض السهلية التي تواجه الصاعد عبر وادي اليتم قادماً من العقبة. وهي ذات حماية طبيعية ، ومنطقة متوسطة ويتوفر فيها مصدر مياه جيد.
3. مركز القيادة الثالث "تلول السمنات" تلول السمنات او تلول سمنه تقع الى الغرب من معان ، واتخذتها القوات العربية كمركز قيادة لادارة العمليات ضد موقع معان ومحطة سكة الحديد الذي استغرق وقتا طويلا من الحصار ويمكن الرجوع لهذا الموضوع بقراءة الدراسة حول مسار معان .
4. مركز القيادة الرابع "ابو اللسن" يميز ابو اللسن ان التخطيط للتوجه شمالا قد تم فيها خاصة بعد عقد المؤتمر المعروف باسم مؤتمر ابو اللسن العسكري والذي فيه تقرر توسيع ميدان العمليات واعادة تنظيم الجيوش العربية بعد زيادة اعدادها.
5. مركز القيادة الخامس : - الطاحونة والفقي الطاحونة والفقي منطقة تقع الى الغرب من محطة الجردون ، او هي (ابي الجردان) اتخذ الامير فيصل هذه المنطقة كمركز قيادة لعملياته العسكرية باتجاه محطة الجردون ، ونحو منطقة عنيزة شمالا ومنها تم ادارة العمليات الاستطلاعية والاستكشافية حول معان .
6. مركز القيادة السادس "وهيدة" في اوائل تشرين الثاني 1917 انتقلت القيادة العسكرية العربية الى اوهيدة وكانت القوات العربية قد دخلت اليها في 17 تموز 1917 حسبما اورد ذلك سليمان الموسى في تاريخ الاردن بين الماضي والحاضر.
7. مركز القيادة السابع "الازرق" اخر مراكز القيادة فوق الارض الاردنية ، وفيها وضعت الخطة النهائية للتقدم شمالا نحو دمشق ، وكان التنفيذ يوم 29 ايلول م1918 حين تحركت القوات العربية الى درعا واتجهت شمالا لتدخل دمشق يوم 1 تشـرين الاول م1918 ... لتبدأ مرحلة الدولة العربية الكاملة .
معارك معان كنموذج لمعارك الثورة العربية الكبرى
معارك معان كنموذج لمعارك الثورة العربية الكبرى فهي من اكبر واطول المعارك في تاريخ الثورة العربية الكبرى ، في الوقت الذي كانت فيه معركة الطفيلة في 28 كانون الثاني 1918 معركة حاسمة تلقت القوات التركية هزيمة قاسية. ومعان كانت مقر جلالة الملك عبدالله بن الحسين عام 1920 وفيها اصدر جريدة الحق يعلو التي كان يحررها محمود الانسي وعبداللطيف شاكر ومنها انطلق المغفور له الى عمان مرورا بالقطرانة والجيزة ليصل الى عمان في 2 اذار 1921 ليشرع في تأسيس الدولة الاردنية .
د. موقف القوات التركية تتمركز القوات التركية في منطقة معان في منطقة صحراوية وتتأثر هذه القوات بالعوامل التالية : (1). البعد عن المراكز القيادية الرئيسية في دمشق او الناصرة او المدينة وهذا يؤثر في عملية اتخاذ القرار . (2). تتمركز القوات التركية في ارض عربية ووسط شعب عربي ولهذا تأثيره السلبي على الوضع العام ليس في صالح القوات التركية .
(3). نجح العرب في قطع خط الاتصال بين معان والمدينة المنورة لنجاح عملياتهم في المدورة وغدير الحاج وابو طرفة والرملة وبطن الغول وعقبة حجاز وغيرها وبالتالي عزلت القوات التركية من الجنوب .
(4). نجح العرب في عملياتهم شمال وغرب معان في الوهيدة وابو اللسن وبسطة وغيرها واثروا على ابو الجردان في الشمال التي شهدت اربع معارك مختلفة وان لم يستطع العرب احتلالها تماما الا ان هذه العمليات اسهمت في عزل معان من جهة الشمال والشرق .
(5). لم تتوفر اية مصادر عن عملية تموين واحده وذخيرة للقوات التركية وهذا يفرض تحديد على استخدام الاسلحة وتوجيه نيران كثيفة للقوات المهاجمة .
وضع القوات التركية اخذت القوات التركية تنظر الى معان كمركز استراتيجي هام لقواتها واعتبرتها ورقتها الرابحة ولم تعر كل الاهتمام لكل الخسائر التي لحقت بها في اطراف معان من كل جهاتها ، ومعان هي محطة سكة حديد من الدرجة الاولى وهي محطة تحويلية صناعية وصيانة تامة. حجم القوات التركية في معان لا تتوفر مصادر تعطي معلومات دقيقة عن قوات الاتراك المتحصنة في معان ولكن المؤكد انها فرقة من قوات الجيش الرابع الذي يقوده جمال باشا ومركز قيادته دمشق وهي فيلق ( - ) يبلغ تعداده حوالي (7000) جندي ويقول العدروس في تاريخ الجيش العربي ص (229) ان القوات التركية المرابطة في معان تبلغ (4602) جندي بقيادة (علي بك) ويذكر سليمان الموسى ومنيب الماضي في كتاب تاريخ الاردن في القرن العشرين ص (75) ما نصه "كان جمال باشا ينوي الاحتفاظ بعمان حتى تصل قوات الفيلق الثاني المتراجعة من معان ومحطات سكة حديد الحجاز"وقد كانت قوات الفيلق الثاني في عمان بقيادة ياسين الهاشمي.
موقف القوات العربية تتميز قوات الثورة العربية الكبرى(النظامية وغير النظامية) بمميزات خاصة تجعلها تتفوق في ميادين العمليات العسكرية اهمها:
(1). القيادة الهاشمية الممثلة بالشريف الحسين بن علي وانجاله الذين آمنوا باهداف سامية تنبع من قيم الاصالة العربية والسيادة العربية المطلقة.
(2). الرغبة الجامحة لدى كل جنود الثورة العربية لتحقيق هدف الاستقلال والوحدة والحكم والاستقلال العربي.
(3). قناعة كل الفئات والشرائح الممثلة للعرب باهداف الثورة العربية الكبرى وانها انما جاءت لتلتقي واماني كل عربي وطموحاته .
(4). قوات الثورة تقاتل فوق اراضيها وبين شعبها ومن اجلهما معا (تحرير الارض والانسان) وبالتالي فهي تكسب صفة التفوق على القوات الاخرى الموجودة فوق الارض العربية.
(5). قوات الثورة العربية هي عربية بمعنى الكلمة لها قاعدتها العربية في ارجاء الوطن العربي وشارك في قيادة قواتها ومعاركها القادة من جميع الاقطار .
لهذه الاسباب فقد كان اندفاع العرب المنتظم نحو تحقيق اهدافهم وعلى اساس خطط له بطريقة ترقى لمستوى التنظيم في اي جيش في العالم في حينها وبهذا كان الموقف العربي يرتكز على اكتساب صفة الشريك الكامل في المعركة كحليف مكتمل الشروط .
دور الحلفاء في معارك معان
الحلفاء (البريطانيون والفرنسيون) عملوا في صفوف الثورة العربية الكبرى ، وهمهم الاول خدمة مصالح بلادهم بالدرجة الاولى، ونلاحظ هنا انهم حتى يتمكنوا من خدمة هذه الاهداف لا بد وان يقدموا الاسناد والدعم لقوات الثورة العربية الكبرى وهذا الامر بحد ذاته كانوا لا يرغبون، فيه لانهم لا يريدون في الوقت نفسه ان تصبح القوات العربية مؤثرة في الساحة وتصل الى مستوى الشريك الكامل الذي يفرض مطالبه ويجلس الى جانب المنتصرين في المفاوضات. وقد كشفت معان عن الدور الحقيقي لهم قبل واثناء المعركة.
ففي يوم (8 نيسان) 1918 تقرر عقد لقاء لوضع خطة للهجوم على معان حضره القادة العرب واعضاء البعثة الانجليزية العسكرية ، وقرر القادة العرب شن الهجوم فورا على معان .لكن موقف البعثة الانجليزية كان مختلفا فقد وقفت ضد تنفيذ اية هجمات على القوات التركية، واعتبروا اية عمليات عسكرية ضد معان مجازفة ومغامرة لا يعرف مدى عواقبها واستشهدوا في حججهم على ان معان منطقة مكشوفة يصعب التستر والاختفاء فيها وتطبيق مناورات الهجوم والالتفاف وغيرها، اضافة الى ان العرب ليست لديهم الخبرة الكافية في التعامل مع التحصينات وخطوط الدفاع المنظمة، ولكن يحصل التبدل في الموقف الانجليزي رغم كل ذلك عندما تبرز الحاجة لتنفيذ عمليات عسكرية في اي موقع واي مكان ضد قوات الاتراك يمكن ان تحقق كسبا معنويا وتؤثر في مجمل العمليات العسكرية في المنطقة، وظهر الامر واضحاً حين كانت قوات الحلفاء تستعد لتنفيذ هجوم شامل في منطقة اريحا وشمال فلسطين، ولكن اصطدم هذا ايضا بخوف الانجليز من اي انتصار عربي ، واجلوا البحث فيه لكن الاحرار العرب كانوا وراء تنفيذ الهجوم على معان وفي التوقيت المحدد الذي وضعته القيادة العربية دون اعتبار لوجهات نظر الاجانب الذين يرغبون ان تسير الامور وفقا لرغباتهم ومقتضيات مواقفهم العاجلة في كل موقع وليس وفقا للاماني العربية، لذلك وضعت الخطة العربية على اساس الهجوم الشامل لاحتلال معان.
واعظم نتائج معارك معان اكتساب العرب لخبرات مميزة في القتال القريب وادخال ذلك الرعب في قلوب الاتراك الذين لم يستطيعوا مغادرة المنطقة بأية حال ، وعندما صدرت اوامر الانسحاب اليهم في 22 ايلول 1918 بادروا فورا لتنفيذ هذا الامر وخرجوا من المدينة ليلاقوا مصيرهم بعد ذلك في زيزيا (الجيزة).
ومن خلال الاحداث حول معان فاننا نصل الى تلك الصورة التي كان الجيش العربي يحاول تحقيق حسمْ سريعْ في المنطقة ليلحق بركب قوات الثورة العربية في الشمال حيث كانت تعسكر في الازرق او بدأت بالتوافد الى المنطقة الشمالية استعدادا للانتقال الى مسرح الشام.
ومهما يكن فان عمليات القوات العربية بقيادة الامير فيصل بن الحسين كقائد عام، وقيادة الامير زيد بن الحسين كقائد ميدان في حينها اظهرت القوة العربية والتصميم الاكيد عليتحقيق المهمة وان التنسيق قد وصل الى مستوى عال ففي الوقت الذي كانت تشن به القوات العربية هجومها ضد معان كانت القوات العربية في شمال معان تهاجم محطات الامداد والتعزيز خاصة محطة الجردون التي اختير الهجوم عليها في منتصف ليلة 24 نيسان م1918 لتتزامن مع الهجوم على جبهة معان، وان القوات النظامية قد ادت مهمتها بتخطيط سليم وتنسيق وترك الامر للقوات غير النظامية لتنفيذ هجمات عصابات واغارات تتفق ونمط الزعامة القبلية التي ترغب دائما ان يكون لها حضورّ مميزّ بعيدا عن الاوامر التي تصدر من الاسياد انفسهم ...
نتائج وانجازات الثورة
لعل من النتائج المباشرة للثورة العربية الكبرى في تلك الفترة أنها اوجدت حالة جديدة وبين العرب ، وقد تمثلت النتائج بما يلي: 1. اثارة الشعوب العربية ضد الدولة العثمانية وحليفتها المانيا 2. اعلان الثورة في مكة جرد السلطان محمد رشاد الخليفة من سلاح الجهاد الاسلامي ، الذي كان يشكل قوة تعتمد عليها الدولة العثمانية لتجنيد المسلمين من مختلف اقطارهم تحت لواء هذه الدعوة. 3. قطعت قوات الثورة طرق مواصلات القوات التركية في الحجاز المتمركزة في منطقة البحر الاحمر ، اليمن وعسير.
4. سحق جيش الثورة القوات التركية في الحجاز واسر 7200 جندي و 187 ضابط.
5. كان لانتصار الثورة في الحجاز الاثر في شل معنويات الجيش التركي في فلسطين وشرقي الاردن وتعزيز القوات البريطانية 6. اشتراك جيش الثورة العربية في معارك شرقي الاردن وسوريا ودعم القوات البريطانية في احراز النصر وهزيمة الالمان والاتراك.
7. من مجموع القوات التركية في شرقي الاردن وسوريا 100 الف وقع في الاسر (16) الف و(12) الف قتيل وجريح.
ومن نتائج الثورة ايضا:
1. ابراز القضية العربية الى حيز الوجود وعلى مستوى عالمي وانتزاع اعتراف الدول الكبرى بها.
2. بعث فكرة القومية العربية وتبلورها حتى اصبحت عقيدة حية متطورة تتفاعل مع الاحداث.
3. اعادة وحدة العرب الروحية وخلق تاريخ قومي لم يكن له وجود منذ سقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر ولا بد من الاشارة الى نتائج هامة أخرى وهي تحقيق رسالة الثورة بتأسيس الدولة العربية على اساس الشورى حين بويع الحسين بن علي بالملك في 5 ـ 11 ـ م1916 فانه بدأ بانشاء مجلس الشورى (مجلس شورى الخلافة) الذي بدأ مهامه بمجلس نيابي لدولة حديثة نحو السيادة والاستقلال التام.
الثورة العربية في الميزان العسكري
تناولت دراسات كثيرة تقييم الثورة العربية الكبرى من النواحي المختلفة ، ومن الناحية العسكرية فاننا نقول عن الثورة العربية الكبرى انها تميزت بما يلي: -
1. القرار الجريء والحاسم في الظروف الصعبة والمعقده: يعتبر القرار المرحلة النهائية في تقدير الموقف العسكري والسياسي ، وذلك ان القائد بعد ان يدرس امكانات خصمه وامكاناته الذاتية والميدان الذي يمكن ان تدور فوقه المعارك ، والحالة المعنوية واحوال السكان والامكانيات المادية المتاحة يتخذ القرار المناسب ، فكان قرار الشريف الحسين حاسما ومناسبا عندما اعلن بدء انطلاقة الثورة العربية الكبرى.
2. استراتيجية الهجوم غير المباشر: من افضل انواع الاستراتيجيات أي عدم مجابهة العدو في اختبار مباشر للقوة ، وعدم الاقتراب من العدو الا بعد ازعاجه ومفاجأته وزعزعة توازنه باستخدام مقترب غير متوقع من قبله.
3. الروح المعنوية: الشجاعة الفائقة والثبات التي لا يتزعزع الذي ابداه الشريف الحسين بن علي بفضل الروح المعنوية التي تحلى بها ايام المعركة ، حيث اثرت هذه الروح المعنوية تأثيرا كبيرا على قادة قواته والمتطوعين في صفوف الثورة فالهبت حماسهم ، واصبحوا لا يهابون الموت طالما ان قائدهم يتصرف بكل هدوء واتزان غير عابئ بالاخطار التي تحيق به.
4. الاهتمام المعركة: اهتم الشريف الحسين اهتماماً شديدا بان يحصل على اي شيء من نتائج المعارك التي خاضها جنوده كمدفع او رشاش او بندقية لأن عرض غنائم المعركة امام الناس في الساحات العامة برفع من معنوياتهم يلهب حماسهم. حالة البلاد العربية بعد هذه الاتفاقيات قدم الامير فيصل امام مجلس الدول العشره ، ومنها الخمسة الكبار بريطانيا وفرنسا وامريكا وايطاليا واليابان ، قدم شرحاً عام 1919 عن اوضاع البلاد العربية موضحا عناصر الوحده العربيةوهي اللغة والمنبت والجنس والتاريخ الواحد والمصير والمصالح الاقتصادية وطالب باستقلال البلاد التي تحررت من حكم تركيا ، في حين بقي الشريف الحسين يراسل بريطانيا مطالبا اياها بتنفيذ تعهداتها للعرب واستمر الامير فيصل طيلة سنة ونصف يعمل جاهدا لتحقيق مطالب الامة العربية ، واخفقت جميع المساعي المبذولة لاقناع فرنسا وبريطانيا بالتخلي عن مشروعها والاعتراف باستقلال البلاد العربية.
وفي عام 1920 في الثامن من اذار اعلن المؤتمر العربي في دمشق استقلال سوريا ونودي بالملك فيصل ملكا دستوريا ورفضت الدول الاستعمارية قرارات المؤتمر القومي العربي وقررت تقسيم اقطار المشرق وبذلك انتقل المشرق الى مرحلة جديدة تميزت بالصراع مع الاستعمار والصهيونية التي دخلت فلسطين وفي عام 1920 في شهر تموز احتلت فرنسا سوريا بعد معركة ميسلون.
والاردن بموقعه الجغرافي يشكل منطقة استراتيجية هامة في الشرق الادنى ، فقد شارك في دعم الثورة السورية في جبل الدروز ضد فرنسا وكذلك بالنسبة للصراع الدامي في فلسطين فكان للامير عبدالله الموقف الحازم حيث طالب الحكومة البريطانية:
1. وقف الهجرة اليهودية التي تفاقم خطرهاوازدادت.
2. الالتزام بحماية مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه.
3. الكف عن التعقيبات وملاحقة العرب
4. العفو عن حملة السلاح
الاردن الوريث الشرعي لرسالة النهضة
تقدم الامير عبدالله بن الحسين الى معان ووصلها في 21 تشرين الثاني عام م1920 ، وهو يحمل علم الثورة العربية الكبرى ، ويرفع ايضا علم دولة سوريا وهو يدعو الى حشد الجهود لقتال الفرنسيين ، واسترداد عرش فيصل ولكن اختلفت الاحوال واخذ عبدالله يفاوض الانجليزحول مستقبل المنطقة ، فشرع الامير عبدالله بتأسيس الدولة الاردنية التي ابتدأت يوم 2 اذار م1921 ولتنال استقلالها الاول في 25 ايار م1923 ، ومن ثم تحقق الاستقلال التام يوم 25 ايار 1946م. وتبدأ الدولة الاردنية عربية هاشمية مستقلة ارسى قواعدها جلالة المغفور له الملك عبدالله الاول ، ووضع دستورها الملك طلال طيب الله ثراه ، وبنى نهضتها القائد الباني المغفور له الملك الحسين بن طلال ، ويقود جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم الدولة الاردنية كدولة ذات عمق واصالة ، وحضور عالمي وقيادة تتسم بالعقلانية والعزم تتطلع نحوالمستقبل المشرق ، وفق قواعد وتراث الاجداد ، واصول النهضة الشاملة الاصيلة ، ورؤى المستقبل المشرق الذي يحقق الدولة المتقدمة المتحضرة التي تتطلع نحو المستقبل بأمل مشرق.
-
"""الثورة العربية الكبرى اول ثورة لتحقيق الحلم العربي في العصر الحديث"""
بدأ الشعور القومي العربي بالتنامي في منتصف القرن التاسع عشر ، والفضل في ذلك يعود الى حركة التجارة الواسعة خاصة عن طريق السواحل اللبنانية ، هذه التجارة اتاحت الفرصة للعرب للاطلاع على حركات التحرر القومية في مناطق اوروبا ، وانتفاضة شعوبها التي اخذت تبحث عن هويتها واستقلالها ، وتتحرر من مستعمريها ، فكانت هذه الرؤية التي تكونت لدى العرب وهم يراقبون الوضع العالمي ، فبدأت تتشكل الجمعيات السرية والمنتديات الادبية التي اسهمت في حركة الوعي العربي ، ولكن اخذت الاسباب تظهر وتتراكم ، والتي تدعو العرب للنهوض والثورة.
اسباب كثيرة وضعت العرب امام تحد كبير ، ولكن بقيت الحاجة للقيادة الفاعلة القوية التي يمكنها ان تقود الامة نحو الاستقلال ، وتوحد جهود العرب جميعا باتجاه السيادة العربية ، وبالتالي فان العرب قد توجهوا الى الشريف الحسين بن علي وطلبوا منه ان يكون القائد للثورة خاصة وانه الرجل الذي توفرت فيه خصائص خاصة منها: -
أ. أنه من سلالة الشرف العظيم المتحدرة من اطهر بيوت العرب من نسل النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .
ب. انه امير مكة وخادمها.
جـ. تتوفر له المكانة الخاصة بين قبائل العرب جميعها.
د. تميز بتوجهه نحو الاستقلال والسيادة ، وتوفرت له النزعة الكاملة لذلك منذ ان نفي الى الاستانة عام ,1893
وصف يوم اعلان الثورة العربية الكبرى واطلاق الرصاصة الاولى كان صباح يوم العاشر من حزيران من عام 1916 الموافق التاسع من شعبان 1334هـ يوماً يشهد التاريخ له ، وهو صورة التصميم العربي على تحقيق الأمل المنشود.
وورد في اوراق خير الدين الزركلي وصف لذلك اليوم هذا نصه: -
الرصاصة الاولى
الساعة 9 والدقيقة 12 عربية قبيل فجر السبت 9 شعبان سنة 1334هـ بينما الجيش التركي في مكة هادئ في ثكنة جرول والقلعة الحميدية ، والناس نيام والحوادث يقظى، خرجت الرصاصة الاولى من قصر الامارة من بندقية الشريف حسين ، فلم يبلغ صداها مسامع جيشه الكامن حول حصون الترك وثكنها ، حتى اندفع سيل النار من بندقياته ، فانتبه الترك مذعورين ، واسرع جندهم الى المدافع قبل ان تصل اليهم العرب ، فاطلقوا القنابل على مصاعد نيران البندقيات.
ولم ينشقَّ فجر ذلك اليوم الا وجنود الترك محصورون في حصونهم ، وقلعة اجياد المشرفة على احياء مكة ودورها ، تواصل القاء القذائف على كل مكان يتخيل لها ان فيه قوة من العرب ، واستمر بها الامر الى ان طاشت بها قذائفها فارسلتها على غير هدى في كل ناحية من نواحي البلد الامين ، واختصت بالعناية دار الامارة فاتخذتها هدفا حتى كانت الساعة الثالثة من الصباح.
مسارات الثورة العربية الكبرى في الارض الاردنية
نفذت جيوش الثورة العربية الكبرى عمليات عسكرية ذات مستويات مختلفة في المسرح الاردني في الفترة من الاول من تموز عام م1917 وحتى نهاية شهر ايلول م1918 وتحركت قوات الثورة العربية بطريقة تعبوية تتفق وطبيعة تسليحها ومسرح العمليات والاهداف التي تسعى لتحقيقها ، وشملت عملياتها كامل الارض الاردنية تقريباً ، وتحركت هذه الجيوش وفق خطط محكمة ، وبرؤية عسكرية دقيقة .
وعند دراسة مسرح العمليات فوق الارض الاردنية فاننا نجد ان القوات العربية قد تحركت ضمن عشرين مسار نضيف اليها مساراً آخر مستقلاً هو مسار خط سكة الحديد وجميعها تداخلت فيما بينها ـ وقد تم تحديد هذه المسارات وفقاً للمعايير التالية :
الاول اتجاه حركة قوات الثورة العربية ـ والطريق التي تسلكها نحو هدفها ... الثاني تجميع اهداف القوة العسكرية الواحدة في خط مسار واحد بغض النظر عن الوقت الذي استغرقته تلك القوة في تنفيذها لعملياتها .
تميزت الارض الاردنية بانهاء اكبر ميدان العمليات الثورة العربية الكبرى ، هذه التي ابتدأت من اليوم الاول بين شهر تموز عام م1917 وحتى نهاية شهر ايلول م1918 ، وكان ميدان الاردن ميداناً عسكريا وسياسياً ايضا.
القيادات العسكرية للثورة العربية في الاردن
1. مركز القيادة الاول (العقبة) كانت الوجه على ساحل البحر الاحمر هي القيادة العسكرية المتقدمة التي بها تم التخطيط لاحتلال العقبة وتم تجهيز الحملة العسكرية التي انطلقت يوم 17 ايار م1917 لتسير شمالاً الى مدائن صالح ثم باير وتبدأ عملها باتجاه العقبة..
العقبة بقيت مركز قيادة للثورة العربية لفترة وصلت الى ثلاثة اشهر ، حين غادرتها القوات العربية مع نهاية ايلول 1917 لتتجه الى معسكر الاردن وهو القويرة والذي يبعد حوالي 75 كلم شمال العقبة .
2. مركز القيادة الثاني (القويرة) وهو المركز الثاني لقيادة القوات العربية وبه تم وضع الخطط الكاملة للزحف شمالا وغربا لتحرير الارض العربية ، والقويرة هي الارض السهلية التي تواجه الصاعد عبر وادي اليتم قادماً من العقبة. وهي ذات حماية طبيعية ، ومنطقة متوسطة ويتوفر فيها مصدر مياه جيد.
3. مركز القيادة الثالث "تلول السمنات" تلول السمنات او تلول سمنه تقع الى الغرب من معان ، واتخذتها القوات العربية كمركز قيادة لادارة العمليات ضد موقع معان ومحطة سكة الحديد الذي استغرق وقتا طويلا من الحصار ويمكن الرجوع لهذا الموضوع بقراءة الدراسة حول مسار معان .
4. مركز القيادة الرابع "ابو اللسن" يميز ابو اللسن ان التخطيط للتوجه شمالا قد تم فيها خاصة بعد عقد المؤتمر المعروف باسم مؤتمر ابو اللسن العسكري والذي فيه تقرر توسيع ميدان العمليات واعادة تنظيم الجيوش العربية بعد زيادة اعدادها.
5. مركز القيادة الخامس : - الطاحونة والفقي الطاحونة والفقي منطقة تقع الى الغرب من محطة الجردون ، او هي (ابي الجردان) اتخذ الامير فيصل هذه المنطقة كمركز قيادة لعملياته العسكرية باتجاه محطة الجردون ، ونحو منطقة عنيزة شمالا ومنها تم ادارة العمليات الاستطلاعية والاستكشافية حول معان .
6. مركز القيادة السادس "وهيدة" في اوائل تشرين الثاني 1917 انتقلت القيادة العسكرية العربية الى اوهيدة وكانت القوات العربية قد دخلت اليها في 17 تموز 1917 حسبما اورد ذلك سليمان الموسى في تاريخ الاردن بين الماضي والحاضر ص .
7. مركز القيادة السابع "الازرق" اخر مراكز القيادة فوق الارض الاردنية ، وفيها وضعت الخطة النهائية للتقدم شمالا نحو دمشق ، وكان التنفيذ يوم 29 ايلول م1918 حين تحركت القوات العربية الى درعا واتجهت شمالا لتدخل دمشق يوم 1 تشـرين الاول م1918 ... لتبدأ مرحلة الدولة العربية الكاملة .
معارك معان كنموذج لمعارك الثورة العربية الكبرى
معارك معان كنموذج لمعارك الثورة العربية الكبرى فهي من اكبر واطول المعارك في تاريخ الثورة العربية الكبرى ، في الوقت الذي كانت فيه معركة الطفيلة في 28 كانون الثاني 1918 معركة حاسمة تلقت القوات التركية هزيمة قاسية. ومعان كانت مقر جلالة الملك عبدالله بن الحسين عام 1920 وفيها اصدر جريدة الحق يعلو التي كان يحررها محمود الانسي وعبداللطيف شاكر ومنها انطلق المغفور له الى عمان مرورا بالقطرانة والجيزة ليصل الى عمان في 2 اذار 1921 ليشرع في تأسيس الدولة الاردنية .
د. موقف القوات التركية تتمركز القوات التركية في منطقة معان في منطقة صحراوية وتتأثر هذه القوات بالعوامل التالية : (1). البعد عن المراكز القيادية الرئيسية في دمشق او الناصرة او المدينة وهذا يؤثر في عملية اتخاذ القرار . (2). تتمركز القوات التركية في ارض عربية ووسط شعب عربي ولهذا تأثيره السلبي على الوضع العام ليس في صالح القوات التركية .
(3). نجح العرب في قطع خط الاتصال بين معان والمدينة المنورة لنجاح عملياتهم في المدورة وغدير الحاج وابو طرفة والرملة وبطن الغول وعقبة حجاز وغيرها وبالتالي عزلت القوات التركية من الجنوب .
(4). نجح العرب في عملياتهم شمال وغرب معان في الوهيدة وابو اللسن وبسطة وغيرها واثروا على ابو الجردان في الشمال التي شهدت اربع معارك مختلفة وان لم يستطع العرب احتلالها تماما الا ان هذه العمليات اسهمت في عزل معان من جهة الشمال والشرق .
(5). لم تتوفر اية مصادر عن عملية تموين واحده وذخيرة للقوات التركية وهذا يفرض تحديد على استخدام الاسلحة وتوجيه نيران كثيفة للقوات المهاجمة .
وضع القوات التركية اخذت القوات التركية تنظر الى معان كمركز استراتيجي هام لقواتها واعتبرتها ورقتها الرابحة ولم تعر كل الاهتمام لكل الخسائر التي لحقت بها في اطراف معان من كل جهاتها ، ومعان هي محطة سكة حديد من الدرجة الاولى وهي محطة تحويلية صناعية وصيانة تامة. حجم القوات التركية في معان لا تتوفر مصادر تعطي معلومات دقيقة عن قوات الاتراك المتحصنة في معان ولكن المؤكد انها فرقة من قوات الجيش الرابع الذي يقوده جمال باشا ومركز قيادته دمشق وهي فيلق ( - ) يبلغ تعداده حوالي (7000) جندي ويقول العدروس في تاريخ الجيش العربي ص (229) ان القوات التركية المرابطة في معان تبلغ (4602) جندي بقيادة (علي بك) ويذكر سليمان الموسى ومنيب الماضي في كتاب تاريخ الاردن في القرن العشرين ص (75) ما نصه "كان جمال باشا ينوي الاحتفاظ بعمان حتى تصل قوات الفيلق الثاني المتراجعة من معان ومحطات سكة حديد الحجاز"وقد كانت قوات الفيلق الثاني في عمان بقيادة ياسين الهاشمي.
موقف القوات العربية تتميز قوات الثورة العربية الكبرى(النظامية وغير النظامية) بمميزات خاصة تجعلها تتفوق في ميادين العمليات العسكرية اهمها:
(1). القيادة الهاشمية الممثلة بالشريف الحسين بن علي وانجاله الذين آمنوا باهداف سامية تنبع من قيم الاصالة العربية والسيادة العربية المطلقة.
(2). الرغبة الجامحة لدى كل جنود الثورة العربية لتحقيق هدف الاستقلال والوحدة والحكم والاستقلال العربي.
(3). قناعة كل الفئات والشرائح الممثلة للعرب باهداف الثورة العربية الكبرى وانها انما جاءت لتلتقي واماني كل عربي وطموحاته .
(4). قوات الثورة تقاتل فوق اراضيها وبين شعبها ومن اجلهما معا (تحرير الارض والانسان) وبالتالي فهي تكسب صفة التفوق على القوات الاخرى الموجودة فوق الارض العربية.
(5). قوات الثورة العربية هي عربية بمعنى الكلمة لها قاعدتها العربية في ارجاء الوطن العربي وشارك في قيادة قواتها ومعاركها القادة من جميع الاقطار .
لهذه الاسباب فقد كان اندفاع العرب المنتظم نحو تحقيق اهدافهم وعلى اساس خطط له بطريقة ترقى لمستوى التنظيم في اي جيش في العالم في حينها وبهذا كان الموقف العربي يرتكز على اكتساب صفة الشريك الكامل في المعركة كحليف مكتمل الشروط .
دور الحلفاء في معارك معان
الحلفاء (البريطانيون والفرنسيون) عملوا في صفوف الثورة العربية الكبرى ، وهمهم الاول خدمة مصالح بلادهم بالدرجة الاولى ، ونلاحظ هنا انهم حتى يتمكنوا من خدمة هذه الاهداف لا بد وان يقدموا الاسناد والدعم لقوات الثورة العربية الكبرى وهذا الامر بحد ذاته كانوا لا يرغبون ، فيه لانهم لا يريدون في الوقت نفسه ان تصبح القوات العربية مؤثرة في الساحة وتصل الى مستوى الشريك الكامل الذي يفرض مطالبه ويجلس الى جانب المنتصرين في المفاوضات. وقد كشفت معان عن الدور الحقيقي لهم قبل واثناء المعركة.
ففي يوم (8 نيسان) 1918 تقرر عقد لقاء لوضع خطة للهجوم على معان حضره القادة العرب واعضاء البعثة الانجليزية العسكرية ، وقرر القادة العرب شن الهجوم فورا على معان .لكن موقف البعثة الانجليزية كان مختلفا فقد وقفت ضد تنفيذ اية هجمات على القوات التركية ، واعتبروا اية عمليات عسكرية ضد معان مجازفة ومغامرة لا يعرف مدى عواقبها واستشهدوا في حججهم على ان معان منطقة مكشوفة يصعب التستر والاختفاء فيها وتطبيق مناورات الهجوم والالتفاف وغيرها ، اضافة الى ان العرب ليست لديهم الخبرة الكافية في التعامل مع التحصينات وخطوط الدفاع المنظمة ، ولكن يحصل التبدل في الموقف الانجليزي رغم كل ذلك عندما تبرز الحاجة لتنفيذ عمليات عسكرية في اي موقع واي مكان ضد قوات الاتراك يمكن ان تحقق كسبا معنويا وتؤثر في مجمل العمليات العسكرية في المنطقة ، وظهر الامر واضحاً حين كانت قوات الحلفاء تستعد لتنفيذ هجوم شامل في منطقة اريحا وشمال فلسطين ، ولكن اصطدم هذا ايضا بخوف الانجليز من اي انتصار عربي ، واجلوا البحث فيه لكن الاحرار العرب كانوا وراء تنفيذ الهجوم على معان وفي التوقيت المحدد الذي وضعته القيادة العربية دون اعتبار لوجهات نظر الاجانب الذين يرغبون ان تسير الامور وفقا لرغباتهم ومقتضيات مواقفهم العاجلة في كل موقع وليس وفقا للاماني العربية ، لذلك وضعت الخطة العربية على اساس الهجوم الشامل لاحتلال معان .
واعظم نتائج معارك معان اكتساب العرب لخبرات مميزة في القتال القريب وادخال ذلك الرعب في قلوب الاتراك الذين لم يستطيعوا مغادرة المنطقة بأية حال ، وعندما صدرت اوامر الانسحاب اليهم في 22 ايلول 1918 بادروا فورا لتنفيذ هذا الامر وخرجوا من المدينة ليلاقوا مصيرهم بعد ذلك في زيزيا (الجيزة) .
ومن خلال الاحداث حول معان فاننا نصل الى تلك الصورة التي كان الجيش العربي يحاول تحقيق حسمْ سريعْ في المنطقة ليلحق بركب قوات الثورة العربية في الشمال حيث كانت تعسكر في الازرق او بدأت بالتوافد الى المنطقة الشمالية استعدادا للانتقال الى مسرح الشام .
ومهما يكن فان عمليات القوات العربية بقيادة الامير فيصل بن الحسين كقائد عام ، وقيادة الامير زيد بن الحسين كقائد ميدان في حينها اظهرت القوة العربية والتصميم الاكيد عليتحقيق المهمة وان التنسيق قد وصل الى مستوى عالْ ففي الوقت الذي كانت تشن به القوات العربية هجومها ضد معان كانت القوات العربية في شمال معان تهاجم محطات الامداد والتعزيز خاصة محطة الجردون التي اختير الهجوم عليها في منتصف ليلة 24 نيسان م1918 لتتزامن مع الهجوم على جبهة معان ، وان القوات النظامية قد ادت مهمتها بتخطيط سليم وتنسيق وترك الامر للقوات غير النظامية لتنفيذ هجمات عصابات واغارات تتفق ونمط الزعامة القبلية التي ترغب دائما ان يكون لها حضورّ مميزّ بعيدا عن الاوامر التي تصدر من الاسياد انفسهم ...
نتائج وانجازات الثورة
لعل من النتائج المباشرة للثورة العربية الكبرى في تلك الفترة أنها اوجدت حالة جديدة وبين العرب ، وقد تمثلت النتائج بما يلي: 1. اثارة الشعوب العربية ضد الدولة العثمانية وحليفتها المانيا 2. اعلان الثورة في مكة جرد السلطان محمد رشاد الخليفة من سلاح الجهاد الاسلامي ، الذي كان يشكل قوة تعتمد عليها الدولة العثمانية لتجنيد المسلمين من مختلف اقطارهم تحت لواء هذه الدعوة. 3. قطعت قوات الثورة طرق مواصلات القوات التركية في الحجاز المتمركزة في منطقة البحر الاحمر ، اليمن وعسير.
4. سحق جيش الثورة القوات التركية في الحجاز واسر 7200 جندي و 187 ضابط.
5. كان لانتصار الثورة في الحجاز الاثر في شل معنويات الجيش التركي في فلسطين وشرقي الاردن وتعزيز القوات البريطانية 6. اشتراك جيش الثورة العربية في معارك شرقي الاردن وسوريا ودعم القوات البريطانية في احراز النصر وهزيمة الالمان والاتراك.
7. من مجموع القوات التركية في شرقي الاردن وسوريا 100 الف وقع في الاسر (16) الف و(12) الف قتيل وجريح.
ومن نتائج الثورة ايضا:
1. ابراز القضية العربية الى حيز الوجود وعلى مستوى عالمي وانتزاع اعتراف الدول الكبرى بها.
2. بعث فكرة القومية العربية وتبلورها حتى اصبحت عقيدة حية متطورة تتفاعل مع الاحداث.
3. اعادة وحدة العرب الروحية وخلق تاريخ قومي لم يكن له وجود منذ سقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر ولا بد من الاشارة الى نتائج هامة أخرى وهي تحقيق رسالة الثورة بتأسيس الدولة العربية على اساس الشورى حين بويع الحسين بن علي بالملك في 5 ـ 11 ـ م1916 فانه بدأ بانشاء مجلس الشورى (مجلس شورى الخلافة) الذي بدأ مهامه بمجلس نيابي لدولة حديثة نحو السيادة والاستقلال التام.
الثورة العربية في الميزان العسكري
تناولت دراسات كثيرة تقييم الثورة العربية الكبرى من النواحي المختلفة ، ومن الناحية العسكرية فاننا نقول عن الثورة العربية الكبرى انها تميزت بما يلي: -
1. القرار الجريء والحاسم في الظروف الصعبة والمعقده: يعتبر القرار المرحلة النهائية في تقدير الموقف العسكري والسياسي ، وذلك ان القائد بعد ان يدرس امكانات خصمه وامكاناته الذاتية والميدان الذي يمكن ان تدور فوقه المعارك ، والحالة المعنوية واحوال السكان والامكانيات المادية المتاحة يتخذ القرار المناسب ، فكان قرار الشريف الحسين حاسما ومناسبا عندما اعلن بدء انطلاقة الثورة العربية الكبرى.
2. استراتيجية الهجوم غير المباشر: من افضل انواع الاستراتيجيات أي عدم مجابهة العدو في اختبار مباشر للقوة ، وعدم الاقتراب من العدو الا بعد ازعاجه ومفاجأته وزعزعة توازنه باستخدام مقترب غير متوقع من قبله.
3. الروح المعنوية: الشجاعة الفائقة والثبات التي لا يتزعزع الذي ابداه الشريف الحسين بن علي بفضل الروح المعنوية التي تحلى بها ايام المعركة ، حيث اثرت هذه الروح المعنوية تأثيرا كبيرا على قادة قواته والمتطوعين في صفوف الثورة فالهبت حماسهم ، واصبحوا لا يهابون الموت طالما ان قائدهم يتصرف بكل هدوء واتزان غير عابئ بالاخطار التي تحيق به.
4. الاهتمام المعركة: اهتم الشريف الحسين اهتماماً شديدا بان يحصل على اي شيء من نتائج المعارك التي خاضها جنوده كمدفع او رشاش او بندقية لأن عرض غنائم المعركة امام الناس في الساحات العامة برفع من معنوياتهم يلهب حماسهم. حالة البلاد العربية بعد هذه الاتفاقيات قدم الامير فيصل امام مجلس الدول العشره ، ومنها الخمسة الكبار بريطانيا وفرنسا وامريكا وايطاليا واليابان ، قدم شرحاً عام 1919 عن اوضاع البلاد العربية موضحا عناصر الوحده العربيةوهي اللغة والمنبت والجنس والتاريخ الواحد والمصير والمصالح الاقتصادية وطالب باستقلال البلاد التي تحررت من حكم تركيا ، في حين بقي الشريف الحسين يراسل بريطانيا مطالبا اياها بتنفيذ تعهداتها للعرب واستمر الامير فيصل طيلة سنة ونصف يعمل جاهدا لتحقيق مطالب الامة العربية ، واخفقت جميع المساعي المبذولة لاقناع فرنسا وبريطانيا بالتخلي عن مشروعها والاعتراف باستقلال البلاد العربية.
وفي عام 1920 في الثامن من اذار اعلن المؤتمر العربي في دمشق استقلال سوريا ونودي بالملك فيصل ملكا دستوريا ورفضت الدول الاستعمارية قرارات المؤتمر القومي العربي وقررت تقسيم اقطار المشرق وبذلك انتقل المشرق الى مرحلة جديدة تميزت بالصراع مع الاستعمار والصهيونية التي دخلت فلسطين وفي عام 1920 في شهر تموز احتلت فرنسا سوريا بعد معركة ميسلون.
والاردن بموقعه الجغرافي يشكل منطقة استراتيجية هامة في الشرق الادنى ، فقد شارك في دعم الثورة السورية في جبل الدروز ضد فرنسا وكذلك بالنسبة للصراع الدامي في فلسطين فكان للامير عبدالله الموقف الحازم حيث طالب الحكومة البريطانية:
1. وقف الهجرة اليهودية التي تفاقم خطرهاوازدادت.
2. الالتزام بحماية مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه.
3. الكف عن التعقيبات وملاحقة العرب
4. العفو عن حملة السلاح
الاردن الوريث الشرعي لرسالة النهضة
تقدم الامير عبدالله بن الحسين الى معان ووصلها في 21 تشرين الثاني عام م1920 ، وهو يحمل علم الثورة العربية الكبرى ، ويرفع ايضا علم دولة سوريا وهو يدعو الى حشد الجهود لقتال الفرنسيين ، واسترداد عرش فيصل ولكن اختلفت الاحوال واخذ عبدالله يفاوض الانجليزحول مستقبل المنطقة ، فشرع الامير عبدالله بتأسيس الدولة الاردنية التي ابتدأت يوم 2 اذار م1921 ولتنال استقلالها الاول في 25 ايار م1923 ، ومن ثم تحقق الاستقلال التام يوم 25 ايار 1946م. وتبدأ الدولة الاردنية عربية هاشمية مستقلة ارسى قواعدها جلالة المغفور له الملك عبدالله الاول ، ووضع دستورها الملك طلال طيب الله ثراه ، وبنى نهضتها القائد الباني المغفور له الملك الحسين بن طلال ، ويقود جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم الدولة الاردنية كدولة ذات عمق واصالة ، وحضور عالمي وقيادة تتسم بالعقلانية والعزم تتطلع نحوالمستقبل المشرق ، وفق قواعد وتراث الاجداد ، واصول النهضة الشاملة الاصيلة ، ورؤى المستقبل المشرق الذي يحقق الدولة المتقدمة المتحضرة التي تتطلع نحو المستقبل بأمل مشرق.