لم أعد أتحدَّث عن رد فعل عربي مشرِّف . فالقلْب حشاشته ذابت ، ولم يعد ويا للحسرة لها مكمن للتأمل بالأخوة الكبار أوالصغار . فلكل قطرة دم عربية جوَّالها البائس الكسير . ولكن هل تعمل الصورة المرئية في موقع الصراع المؤزر بالدماء على إيقاظ أعصاب الإنفعال في العالم العربي الذي جعل المجردين من سيوفهم ودفاعهم لقمة هشة في أفواه البشرية جمعاء ؟؟
الإنفعال ....؟ لا نحتاج بعد كل هذا العذاب إلى سلاح ومجنزرات ومدمَّرات وحاملات طائرات !! معاذ الله !!...ولا نحتاج إلى جيوش جرَّارة وقاذفات !!. معاذ الله !
واليوم والأقصى يداس بأرجل مسوخ الخارجين عن أطر القوانين شاملة ... تحل على رؤوسنا نكبة فلسطين ... وتقع على ادمغتنا كل يوم ... وسيستمرالوقوع في كل العصور ، في العصر الحجري والبرونزي والعنكبوتي ، ويبقى شعب فلسطين العظيم البطل الأسطوري بحياته ونكبته وموته العلني لا يحتاج إلا إلى ملامح منفعلة بصدق .
وذاك أضعف الإيمان . لماذا الملامح الجامدة في وجوه أمتنا ... ؟ فلا هي متعاطفة ... ولا هي محايدة ....؟؟ هل من إشارة في الآونة الأخيرة ، تتشكل من ثلاثي القلب والعصب والصرخة ..؟؟
فعدم اكتراث العرب والمسلمين بأقصاهم وديارهم وفلسطينهم أدى إلى كارثة انسانية جامعة مانعة في العالم .
وها هو العالم حسب مقروءات التاريخ لم يشهد مثل هذا القدر من الإيذاء المسموحة نسبته المرخصة لأي شعب في العالم ، كما لم يشهد العالم مثل هذا القدر من العجْز والبلادة .
فهل لنا أن نخترع ونبتكر علوم انفعال آخر الزمان ؟ وهل من ارتعاشة وثورة للمشهد تدعو لمؤتمر انفعال ؟ ٍأو تدعو مصانع الأدوية المتسارعة لتصنيع كبسولات لصناعة المشاعر ؟؟ ولم لا..؟؟ ألم يصبح القرن (العشرون ) ) والذي تلاه عصر الإصطناع وتصنيع الموت ، عصر استخذاء البشرية واحتقارها لقيمة الناس في ظل الكابسولة البلاستيكية ( العقل الإلكتروني ؟ )
فأي حاجة للبقاء والمتعة الحياتية أهم من الشعور والدمعة .؟؟ نحتاج إلى انفعال ! انفعال ومشاعر ...
إنها حاجة الجسد العربي والعالم لحبة مشاعر؟؟
حبة كاشفة و فاضحة للمشاعر الإنسانية في الأمة ؟؟ ملامح متعاطفة بوضوح على الأقل ؟؟ حبة تطويع القلب والروح على الإحساس والإنفعال ؟
فلماذا يبدع العلماء للحكام والقادة وصناع القرار وصفات تطوع الجسد اللئيم من موت إلى فقدان حياء ؟؟؟ ولا يحاولون إبداع وصفة واحدة للروح الكريمة ؟ وكيف تستنزف الأموال للسلب والثراء والنهب وتوظف العقول لإدارة الفساد ؟ ولا تدار وتوظف باتجاه كرامة دم الإنسان ؟ وباتجاه الوجع الإنساني ؟
إن كل ما يتعلق بالكرامة الإنسانية تم الإستغناء عنه ؟ حتى يتسنى للقتلة العبث ونوال اللهو الذي يطمعون به ؟ و لم يعد لمثل الحرية والكرامة وحقوق الإنسان واجب في قائمة الجهود والعلوم ! حتى العلوم الطبية التي صنعت كل المحظورات للإسفاف لم تفكر بتصنيع حبة للإشفاق وتحية البشرية والشعوب المنكوبة ؟
اليوم ... تقع على رؤوسنا نكبتنا وسنحتفل ونقرأ الخطابات العرمرمية ...إنها احتفالية الدَّم والكارثة والوجع لدى شعب فلسطين ، هي احتفالية تتزخرف ببذخ الأرواح الخاصة الفلسطينية فقط . وتتلألأ في أعيادها المتتالية بالزغاريد والتماع الدموع .
ومن الواضح أنًّ الصبر الأيوبي لأهلنا في فلسطين أفلح بنشر عدوى الصَّبْر العاجز في الراتعين بالفرجة .
وإن كانت احتفالَّية الضميَّر الوطني قد حتمت على أهل فلسطين الخوف والصبر، فإنَّ المتفرجين خارج إطار المأساة هذه ، يتمتعون بعرْض يومي اختياري ، فلهم أن يتسللوا باسترخاء إلى مضاجعهم . ولهم أيضاً أنْ يحملقوا لدقائق متأوهين قليلا ً . وهذا أشد ما أصاب الضمائر والأجساد الراتعة في المشاهدة وهذا بلوغ عال لا تبذل النفس المطلوبة للمؤازرة شيئاً من الدم للقيام بمعاقبة ضمائرها !
فبينما يستغل العدو الصهيوني المتوحش هذه البلادة الدولية والعربية ، ويجيِّرها لعدم توازنه ، نجد العالم التعسْ يشرع في البحث عن أبطال للهدوء وضبط النفس يشبهون بلادته أو بالأحرى موته الحسي ، فسواء ً أكان البطل المنشود للغرب مجرماً وقاتلا ً وفتاكا ً ، أو طفلا ً جميلا ً مذبوحاً على فخذ أمه ، نجد العالم قد استحسن بطولة الوحش داعيا ً نفسه للتأثر وربما التصفيق لانتصاره ، فهو لا يستجيب إلا َّلإحتفاليَّة العنف كونها تضغط على أوردته المتوفزة للإعوجاج . متخذاً موقفاً محارباً مع المحارب ، وهاجما ً مع المهاجم. أمًّا احتفاليَّة الألم والاستنجاد فلا تقابل إلا بلف الصدغ جانباً عن الضعيف . وذلك الشعب الذي ترتبك قلوب الحجارة وجعا ً لوجعه ، فهو ضحية لا مصلحة منها ولا تهب الأوردة الساخنة تجاهه.
فلقد شاهد العالم منذ تاريخ كامل ، كيف يتساوى الدم والألم في الوردة والعصفور ، مع اشتعال بحر الوقود العدواني الهمجي . ومع ذلك ظل العالم معوجَّا ً ينتظر الفارس الأبيض وجان دارك بين الغابة وينتظر الملاك السياسي الصانع لأنهار الدم المراق ببرودة كي يقال عنه سياسي محنك !
وكي يقال عنه صاحب قلب جبار يستحق هذا المنصب السياسي ! الهابط بلمسة حنان من السماء هبة للقساة ، وظل العرب ينتظرون ... ربما المسيح المنتظر ، أو بيتا ً منزلا دافئاً ووطناً من ملكوت الله ، ليخلص شعب فلسطين من اكتواء الحرْب الدوًّارة والتشريد والموت على جدران الدنيا بوسعها ! وترك شعب فلسطين لإرادة ورقة اليانصيب العسير للشعور بدمه ولنجدته !