علينا ان لا نفاجأ بكل ما اصبح نادرا في هذا العالم، بدءا من منظومة القيم حتى المواد تفرزها الطبيعة، ما دام التسمين الصناعي قد شمل حتى طعامنا، والعبارة التي كانت تقال قبل زمن ولى وهي مطرح ما يسري يمري اصبحت مطرح ما يسري يهري لأننا ننتحر ببطء كما تفعل القطط حين تتورط بمبرد حديد او مسمار وتلعق دمها حتى الموت .
ان ما لم يكن يعجبنا في قرانا من المأكل والمشرب اصبحنا نبحث عنه في كل مكان ولا نجده، بدءا من الرغيف حتى الفاكهة والماء، فأهلنا الذين منهم من عاش تسعين عاما كانوا يشربون من ماء المطر ويأكلون مما تجود به الارض من ثمر، لكننا الان نأكل ونحن نضع ايدينا على قلوبنا واحيانا يكون الجوع أرحم .
فهل تضاعف عددنا مرات ومرات ام ان الطبيعة بدأت تمارس الانتقام ممن انتهكوها وعبثوا بعناصرها ؟
قد يكون السّببان معا اجتمعا وتحالفا ضد الانسان الذي بصق في البئر الذي يشرب منه، ودسّ السم في الدسم بحثا عن الربح السّريع، وما لا يخطر ببالنا هو ان الجميع في نهاية المطاف سوف يدفعون الثمن، لأن دورة حياتنا تجعل الفاعل مفعولا به كما تجعل من الخادع مخدوعا وهو آخر من يعلم !
وما يثير الفزع هو ان ضحايا هذا التلوث وآكلي لحوم بعضهم احياء وموتى يسخرون من مثل هذا الكلام ويرون فيه حنينا رومانسيا الى زمن مضى ولن يعود .
وهنا اسأل هؤلاء : هل سيكون الطفل الذي تربى في بيت تعدو فيه الخيول ويحيط به الاخضر من كل الجهات كما يتربى من ولد في علبة سردين وعاش منحنيا تحت سقف واطىء ؟
ان من يسميه عالم النفس رايش الانسان الصغير او الانسان الترانزستور هو هذا الكائن الذي صغر زمانه وكبرت ساعة يده ولأنه عاجز عن الحب اصبح يثرثر عنه على مدار الساعة، ولأنه مجرد رقم في استمارة او فرد في قطيع فهو يستخدم ضمير الانا الف مرة في النهار !
ان فقرا نظيفا انبل وأبهى من ثراء ملوث ومسموم !!
الدستور